فضل بن سعد البوعينين
مع التوسع الكبير في الاعتماد على التقنية، والتحوّل الرقمي الذي تشهده المملكة، برزت الحاجة الملحة للأمن السيبراني، وتوفير الحماية للقطاع الرقمي الذي سيكون عصب التعاملات الحكومية وشريان التبادلات التجارية والقلب النابض للاقتصاد والقطاعات المالية وجميع شئون الحياة. فمن المتوقع أن يستحوذ الاقتصاد الرقمي على 25 في المائة من الاقتصاد العالمي خلال السنوات الخمس المقبلة.
التوسع في التعاملات الإلكترونية؛ والاعتماد عليها بشكل كلي يتطلب توسعاً موازياً في الكفاءات القادرة على التعامل الأمثل مع التحوّل التقني؛ وبخاصة الكفاءات القادرة على حماية المنظومة الوطنية الإلكترونية؛ وتحصينها من الهجمات الخارجية والداخلية؛ وضمان سلامتها واستدامة تشغيلها.
ومنذ إطلاق هدف التحوّل الرقمي، بدأت المملكة في وضع إستراتيجية الأمن الرقمي، التي اهتم بتفاصيلها سمو وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، حيث تم إنشاء الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وأطلقت مبادرة سمو ولي العهد لإنشاء كلية متخصصة للأمن السيبراني، ومبادرات أخرى مرتبطة بالمؤتمرات والتجمعات العالمية الداعمة لأنظمة وبرامج الأمن الرقمي، ومنها «المنتدى الدولي للأمن السيبراني» الذي يعتبر أحد المنتديات العالمية المهمة، التي تجتمع فيها العقول والكفاءات وتطرح من خلالها التجارب العالمية والتحديات؛ والذي أعلن من خلاله إطلاق سمو ولي العهد لمبادرتين في الأمن السيبراني لحماية الطفل وتمكين المرأة، وهما أمران تهتم بهما المنظمات الدولية ومجموعة العشرين على وجه الخصوص، ويمكن النظر إليهما من خلال تقديم خدمة للأمن السيبراني العالمي، كما أن للمبادرتين انعكاسات إيجابية مرتبطة بالبعد العالمي الداعم للإصلاحات التي تنفذها المملكة، وبخاصة في الملفات التي يستغلها الغرب في مهاجمتها.
معالي الدكتور مساعد العيبان، رئيس مجلس إدارة الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، شدد على أهمية الأمن السيبراني وأنه من أولويات الدول ما يستوجب تكثيف الجهود الدولية والعمل المشترك لتحقيق أعلى درجاته. وهذا ما تقوم به المملكة اليوم، والسعي للاستفادة من الخبرات العالمية لخلق قطاع أمني رقمي يمكن الاعتماد عليه لحماية التعاملات الرقمية التي ستكون قاعدة التحوّل المستقبلي في المملكة.
هناك جانب مهم وهو العلاقة بين الجهات الاستخبارية والهيئات المعنية بالأمن السيبراني. وهذا توجه عالمي حيث تستثمر أجهزة الاستخبارات العالمية بشكل مكثف في الشباب المتميزين في المراحل الجامعية وتوجههم نحو التخصصات السيبرانية المعقدة ليشكلوا فيما بعد قوة الحماية الأولية لدولهم واقتصاداتهم على وجه الخصوص.
ولعلي أشير إلى تصريحات المهندس أمين الناصر التي دعا فيها لتعزيز الدور الحيوي للأمن السيبراني في صناعة الطاقة، لمواجهة التهديدات التي باتت من المخاطر الرئيسية. هناك جانبان مهمان الأول حماية أنظمة التحكم والإنتاج الرقمية من الهجمات التخريبية، والثاني مرتبط بالسياج الأمني الرقمي القاطع للاتصالات (التشويش الرقمي). فتكون الحماية مرتبطة بسياج أمني رقمي يعزل المناطق المستهدفة عن الفضاء الخارجي.
تحقيق الأمن السيبراني؛ لا يقل أهمية عن تحقيق الأمن العسكري الذي أعتقد أن جانب مهم من أدواته التقنية الحديثة خاصة مع اكتمال المنظومة الإلكترونية الوطنية التي لا يمكن لها العمل بمعزل عن وجود الكفاءات الوطنية المتخصصة والبرامج المتطورة والإستراتيجية الشاملة التي أجزم أنها في مقدم الأولويات الوطنية.