مها محمد الشريف
في ميادين الحرب تختبئ الجرائم الجنائية وتُدعى صراعًا محليًا، وهذا الموقف الخاطئ للتصور يصرف الأنظار عن تبعات الحرب والمكائد التي يدبرها الخصم، من هنا تأتي القصة المشابهة مثل الجرائم الجنائية في ليبيا التي تنمو وتتوارى خلف صخب الحرب وضجيج الانتهاكات، عطفًا على التقرير السنوي لمؤشر الجريمة العالمي لعام 2019، الذي تقوم بإصداره موسوعة قاعدة البيانات «نامبيو»، التي تعتمد على تصويت زوارها، احتلت ليبيا المركز الأول في معدل الجرائم بمنطقة شمال إفريقيا.
وينبغي الإشارة إلى أن الجرائم في ليبيا التي تنفذها العصابات والخلايا الإجرامية المشكلة من عناصر محلية وأجنبية، نتيجة الصراع السياسي والعسكري محاطة ومندمجة بالماضي تعيش على حقول ملغومة من التوترات، بعد انتكاسة تستهدف السياسة التي كانت تتوخى انتصارًا في ظل أجواء مستقرة بعد أمد طويل من تقلبات وحرب مزقت كل الوثائق التي تحمل معاهدات السلام.
يمكننا أن نبين ذلك بالنظر إلى الحجج والكيفية التي تعامل معها أعداء الدولة الليبية، وأكَّد ذلك مدير مكتب الإعلام الأمني، بوزارة الداخلية في الحكومة المؤقتة، طارق الخراز، «بوجود عصابات وخلايا إجرامية مشكلة من عناصر محلية وأجنبية في شرق ليبيا، وضبط كثير من حاملي الجنسيات المختلفة التي تبين دخولها للبلاد بطريقة غير شرعية، وكيف أنه بالرصد والتعقب وجد أن 5 في المائة من هؤلاء لهم سوابق جنائية».
وقال المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي إن شخصًا يدعى عقيد غازي يقود المرتزقة السوريين في ليبيا، مشيرًا إلى أن جنسيات الإرهابيين الذين نقلوا إلى ليبيا هي سورية وعراقية وليبية، وأكَّد المسماري خلال مؤتمر صحفي، أن أردوغان كان يريد إرسال 18 ألف إرهابي إلى ليبيا، موضحًا أن تركيا قامت بنقل ما يصل إلى 2000 مسلح من تنظيم جبهة النصرة إلى ليبيا عبر مطار معيتيقة.
هذا يعني أنه سيضاعف المطالب التعجيزية للأحزاب المتصارعة، والنظرة إلى خطر هذه العصابات وخصوصًا في مدينة طرابلس الكبرى ذات الكثافة السكانية المرتفعة حيث سجلت 33 في المائة من مجموع الجرائم الخطيرة خلال الفترة نفسها، والبالغ عددها إجمالاً 1838 جريمة، وقادت إلى حرب أهلية قسمت البلاد إلى قطع متناثرة وجماعات متناحرة.
ومن ناحية أخرى، نستخلص أن الحرب تنتهي ولكن تبقى آثارها المأساوية، ومع تزايد التباين في المواقف السياسية، يمكن الحديث اليوم عن تواطؤ حكومة الوفاق غير الشرعية مع تركيا وتوفر لها الغطاء لتواجد القوات التركية في الأراضي الليبية حتى يحافظ على وجود حكومة الوفاق الاخوانية برئاسة فايز السراج، والميليشيات والتنظيمات الإرهابية المتحالفة معها، وكل البراهين المقدمة لا تكفي على ما يبدو لفضح خليط المرتزقة الذين أرسلهم أردوغان كجيش لا تجر خلفها سوى الويلات، كما لو كان هذا هو قدرًا محتومًا لتلك القوى الظلامية، التي عبثت بأمن العراق وسوريا مارست البطش والإبادة الجماعية، وتهجير السكان من مدنهم وقراهم، وتزايدت الجرائم الجنائية.
العنصر الغائب هنا القوى العظمى وتحرك الجنائية الدولية لردع هذا العدوان، ولكن بجهود ملتقى الحوار للتنمية وحقوق الإنسان أصدر تقريره بعنوان: «حرب المرتزقة، جرائم العدوان التركي على ليبيا تنتظر تحرك الجنائية الدولية»، الذي يقدم فيه تقريرًا مفصلاً لجرائم العدوان التي ارتكبتها تركيا ومازالت ضد ليبيا، بقيادة أنظمة تدعى القانون، فإن هذه الحرب ليست إلا غزو بالمعنى الدقيق للكلمة، لم تكن بحروب دفاعًا عن النفس هي جنح بكل مقاييس خطورتها، حيث تقتل الكثير من الأبرياء، وجرائم ضد الإنسانية تستدعي تحرك المحكمة الجنائية الدولية لمحاكمة النظام التركي على تلك الجرائم.