د. محمد عبدالله الخازم
صدر تقرير عن الغرفة التجارية بالرياض وكان محوره البحث في دور التنمية في تشجيع الهجرة العكسية وقد أبرز تباينا واضحا في توزيع التنمية على مستوى المملكة، حيث تتركز أغلب النشاطات الاقتصادية والتنموية في ثلاث مناطق؛ الرياض ومكة والشرقية. فإذا أتينا على المنشآت نجد المناطق الثلاث تستحوذ على حوالي 67% من المنشآت بينما بقية المناطق العشر الأخرى تستحوذ على الثلث الباقي من المنشآت. وعندما نتحدث عن منشآت فنحن نتحدث عن فرص عمل ونشاط اقتصادي وتوظيفي. وقد رأينا ذلك ينعكس على معدل البطالة حيث يصل في منطقة مثل الجوف إلى 27.5% وهو رقم عال مقارنة ببقية المناطق أو بالمعدل الوطني. ولأن الأرقام مرتبطة ببعضها نجد أن الثلاث المناطق الرياض ومكة والشرقية تساهم ب 74% من الناتج الاقتصادي المحلي بعد استبعاد الغاز والنفط بينما العشر المناطق الأخرى تساهم بربع الناتج المحلي فقط. وقس على ذلك النشاط الصناعي والترفيهي وغيره.
السؤال الأول هنا؛ هل هذه ظاهرة طبيعية؟ هل فلسفة رؤية 2030 تقود حتماً لمثل هذا التباين باعتبار الاقتصاد وليس التنمية عصب الرؤية؟ أم أن هذا التباين إرث قديم وليس حديثا، وفي هذه الحالة نسأل ماهي رؤيتنا لتعديله نحو الأفضل؟ كيف نشجع الهجرة المعاكسة وتقليص الضغوط على المدن الكبرى ونحن نركز النشاط الاقتصادي والاستثماري والتوظيفي في المناطق الثلاث. طبعاً لو حللنا التفاصيل في المناطق الثلاث لوجدناها تتركز كذلك في المدن الكبرى ولا تتوزع بشكل متقارب في كافة أجزاء المنطقة.
يبدو بأن إحدى المشاكل الأزلية في الخطط السعودية هو التخطيط على مستوى القطاعات وإهمال أهمية التخطيط على مستوى المناطق، وبالتالي يجد كل قطاع أن أولوياته تركيز خدماته في مناطق الكثافة السكانية ومناطق الاهتمام العليا والإعلامية. ونتج عن ذلك تشوهات ليس فقط في التفاوت العام بين منطقة وأخرى، بل حتى بين القطاعات في المنطقة الواحدة عطفاً على عوامل متعددة ليس المجال سردها، فتجد مثلاً الخدمة الصحية متميزة في منطقة ولكن نفس المنطقة تحظى بخدمات بلدية متواضعة.
أرجو أن يكون هناك أهداف رقمية واضحة في سبيل معادلة وتوزيع التنمية في مختلف المناطق، لنصل على أثرها إلى بوادر هجرة عكسية من المدن الكبرى الثلاث إلى المناطق والمحافظات والمدن الصغرى. وأن يصاحب ذلك وضع رؤية لكل منطقة تصنعها وزارة التخطيط مع مجالس المناطق. نحتاج بذل مزيد من الجهد في تطوير البنى التحتية التنموية والمجتمعية في المناطق وقد سبق أن كتبت مثلاً على ذلك دعم إكمال مقرات الجامعات كأحد مكونات البنى التحتية بكل منطقة وأضيف عليها بقية الخدمات والقطاعات. كما أن على صناديق الاسثمار والدعم والإقراض وضع معادلة تشجع تأسيس المشاريع والأعمال بالمناطق الصغيرة الأقل حظاً في مجال التنمية حتى يسهم ذلك في تشجيع الاستثمار والأعمال والتوظيف والتنمية في مختلف المناطق بشكل متقارب. الأمر طبيعي أن تحظى المدن الكبرى باهتمام وإقبال أكبر سواء من الحكومة أو قطاع الأعمال لكن مهمة المخطط عدم الانسياق خلف ذلك والتفكير بعمق وطني وتنموي بعيد المدى يتجاوز مجرد تعظيم الأرباح الاقتصادية ....