عبدالوهاب الفايز
إنها خطوة جديدة، تجعلنا نطمئن على سلامة توجُّهنا الجاد تجاه تعزيز كفاءة ونزاهة القطاع العام.
وهذه وجدتها في خبر نشرته جريدة الرياض الجمعة الماضية، تضمن ملاحظة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد (توسُّع بعض الجهات الحكومية في إنشاء الشركات الحكومية؛ الأمر الذي نتج منه ابتعاد بعض تلك الشركات عن الأغراض الأساسية لإنشائها). وورد في الخبر ملاحظة الهيئة أن هذه الشركات تم (استغلالها من قِبل الجهات الحكومية التي أنشأتها لتأمين الكوادر البشرية لها). وهذه الملاحظات برزت بعد دراسة لعينة من تلك الشركات؛ إذ رصدت الهيئة العديد من الملاحظات المتصلة بهذا التوظيف، ووجدت أن الوضع مخالف لأنظمة وسياسة التوظيف في الدولة؛ وهو ما أدى إلى (هدر في الأموال العامة).
وجاء في الخبر أيضًا أن الهيئة لاحظت (الارتفاع الكبير في مبالغ العقود المبرمة مع تلك الشركات)؛ وهو ما قد يجعلها (منفذًا للفساد لكونها تفتقر للأسس والمعايير التي تمكِّن من الرقابة عليها؛ وهو ما يؤدي إلى اختلال مبدأَي الجدارة وتكافؤ الفرص في شغل الوظائف العامة).
المهم أن المقام السامي، وبناء على ما رفعته الهيئة، أصدر توجيهًا بإحالة الموضوع للدراسة في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء. هذا الاهتمام السريع بكل ما يعزز النزاهة، ويحقق العدالة في مجتمعنا، تطوُّر إيجابي، نحتاج إلى العمل عليه جميعًا ودعمه؛ لأنه أحد الأسس الضرورية لاستقرار بلادنا، وحفظ مكتسباتها، وتعزيز جبهتها الداخلية.
هذا الاهتمام بتعزيز كفاءة ونزاهة أداء القطاع العام نتمنى أن نراه في جبهة أخرى، لا تقل أهمية. أي دراسة وضع الاعتماد على عدد محدود من شركات الاستشارات الإدارية والمحاسبية العالمية؛ فهذه يكاد ينطبق عليها ما وجدته الهيئة من خلل في التعامل مع الشركات الحكومية؛ فشركات الاستشارات يتم التوسُّع في الاعتماد عليها (بدون حوكمة) لعملها. وسبق أن تطرقتُ لهذا الموضوع في مقالات عدة، وبخاصة بعد توسع سوق الشركات الاستشارية الأجنبية، واتضاح استحواذ عدد محدود من الشركات العالمية على السوق. رابط المقال (http://www.al-jazirah.com/2018/20181219/ar4.htm). الوضع القائم مزعج ومؤلم لكل مَن يعرف تبعات سيطرة الشركات الأجنبية على ما يقارب 80 % من الحصة السوقية للاستشارات الإدارية. نحتاج إلى مبادرة هيئة الرقابة ومكافحة الفساد للتحرك عاجلاً لتلافي المخاطر المترتبة على احتكار القطاع، حتى لا تتكرر معنا حالة احتكار خدمات المحاسبة والمراجعة التي ما زالت تعاني من تقلُّص الفرص.
سبقت الإشارة إلى أن أبرز مؤشرات الوضع السلبي للقطاع الاستشاري نجدها في غياب مرجعية اعتبارية محترفة، تفهم عمله، وترعى نشاطه، وتسهّل تراخيص المكاتب الاستشارية، وتراقب عملها.
طبعًا ربما هناك مَن يتحسر، ويقول: هذه الدعوة لتعديل الوضع السلبي الحالي متأخرة؛ لأننا فقدنا فرصة تاريخية لبناء قطاع الاستشارات السعودي، وخصوصًا مع انتعاش السوق، وارتفاع الطلب على الاستشارات الاقتصادية والإدارية والمالية الذي احتاجت إليه برامج (رؤية المملكة 2030). هذا صحيح، ولكن - كما يقال - أن تأتي متأخرًا خيرٌ من ألا تأتي!
لدينا مشكلة حقيقية مع اعتماد القطاع العام على الشركات الاستشارية العالمية. وهذه الإشكالية لها جوانبها المهمة، إضافة إلى الخسارة الاستثمارية، وخسارة توطين الصناعة، ورفع مستوى المحتوى المحلي. لدينا محاذير تمس الأمن الوطني، وهذا هو الأهم. نتمنى أن تتجه هيئة الرقابة في مساعيها الوطنية، التي نقدرها ونثمنها، إلى دراسة أوضاع الشركات الاستشارية؛ فاستحواذ الشركات الأجنبية على هذا القطاع يشكِّل عائقًا رئيسيًّا أمام بيوت الاستشارات المحلية، ونخشى تعثُّر وضياع جهد آلاف المكاتب الاستشارية السعودية، وبخاصة في مرحلة تحوُّل، تحتاج إلى استثمار التجربة والمعرفة التي تجمعت لجيل من السعوديين الذين هم ثمرة مشروع التأهيل الذي تبنته بلادنا لأبنائها في العقود الماضية.