علي الخزيم
النهضة الحضارية التي تعيشها مملكة العز والحزم والعزم؛ شاملة متكاملة، والتكامل يعني ببعض مضامينه أن الجهات الرسمية يتكامل عملها وواجباتها مع الجهات الأهلية والمؤسسات المجتمعية، وكل هذه - رسمية وأهلية - تتكامل مع بعضها وفيما بينها، لتقدم العطاء والأداء المنشود منها، وما يأمله ولاة الأمر حفظهم الله، وما يطمع به المواطن والمقيم منها.
وأرى أن العناية بالمضطربين نفسياً وغريبي الأطوار ومرضى الصرع ونحوهم لا زالت دون المأمول، فالجهات الرسمية تنقصها المبادرة إلى احتواء هؤلاء المُبتلِين ولا يكفي تقديم الدواء لهم إذا ما راجع ذووهم المستشفيات والمصحات لعلاجهم، فالمهمة كما يبدو لي أكبر من ذلك؛ فاحتوائهم وتقديم الرعاية الكاملة لهم كمواطنين حق لهم عند الجهات المعنية، فهم مرضى يستحقون العلاج والاهتمام بأوضاعهم، غير أن مرضهم يختلف عن غيرهم، فهم أحياناً كثيرة يعيشون بيننا وكأنهم أصحاء؛ بل إن منهم من يقود سيارته، وموظفين بالدوائر الحكومية لا يقدمون أي خدمة وظيفية تذكر بل إنهم مصدر إزعاج وإرباك للغير، ولربما كان غيابهم خيراً من حضورهم، وهم والطلقاء منهم السائمون بالشوارع والأحياء خطرون جداً إذا ما اعتراهم الغضب وتعكر المزاج بسبب موقف يفسرونه كما تُملِي عقولهم محدودة الفهم، فيكون أذاهم واضحاً ومدمراً يصل إلى قتل الأقارب والوالدين ومن يحيط بهم من أطفال وغيرهم، فهم بتلك الحالة وبلحظات توفز الأعصاب لا يُفَرقون بين خِلّ وقريب أو دونه، فالكل هدف لعدوانيتهم؛ وأعينهم بتلك اللحظات لا ترى إلَّا أشباحاً عَدوَّة يجب - بنظرهم - تدميرها دون تفرقة، فإذا ما هدأت الأعصاب بعد السيطرة على المضطرب الهائج؛ يبدأ باستعادة وعيه نسبياً ولا يستغني عن العلاج بأي حال.
هل نكتفي بتلقي البلاغات عن جرائم يقترفها مثل هؤلاء وننشغل بالتحقيقات وعلاج المصابين ودفن المتوفين ثم نطلق سراحهم باعتبارهم معتوهين مضطربين مُعتلّين عقلياً ونفسياً؟ هذا بالتأكيد لا يكفي، ما العمل إذاً؟ هو أن نعود للأسطر الأولى؛ لتكاتف المؤسسات المعنية الرسمية والأهلية وكل من يتحدث عن المسئولية الاجتماعية لأداء الواجب كلٌ فيما يخصه، وألَّا تعمل كل جهة بمفردها دون تنسيق وتكامل مع الجهات الأخرى لتكتمل العملية الإنسانية النبيلة تجاه هؤلاء الأحباب المُبْتَلين فهم منا وإلينا، هم جزء من أسرنا ومجتمعنا فلهم حق علينا جميعاً لرعايتهم واحتوائهم.
من هنا أدعو الجهات المختصة بوزارة الصحة والشئون الاجتماعية والدوائر الأمنية وكل من يهمه أمرهم رسمياً وأهلياً للعمل على عقد اللقاءات والندوات، أو تفعيلها - إن كانت قد تمت فعلاً - للتنسيق بهذا الشأن لتحديد الواجبات والمهمات وما يمكن تقديمه من أجلهم لخدمتهم أولاً ولحماية المجتمع من خطرهم الذي يعود أثره عليهم أيضاً، أكرر بالمناسبة مناشدتي لأولياء أمور المضطربين نفسياً للمبادرة بالإبلاغ عنهم ومطالبة الجهات المختصة النظر بالحالات فكل منها لها طريقة وأسلوب علاج مختلف قد يصل إلى عزل المريض عن المجتمع بالمصحات الخاصة بهم، كما أناشد الجهات الرسمية بسن قوانين وأنظمة لرعاية هذه الفئة، وإلزام ذويهم بالتعاون وتحميلهم جزءًا من المسئولية.