حامد عبدالحسين الجبوري
تختلف التظاهرات الأخيرة في العراق عن التظاهرات السابقة بشكل كبير، حيث كانت أغلب التظاهرات السابقة تظاهرات ذات مطالب خدمية في حين التظاهرات الأخيرة هي تظاهرات ذات مطالب سياسية.
إن ما دفع لرفع سقف المطالب من الخدمات كالماء والكهرباء وفرص العمل وغيرها، إلى المطالب السياسية التي تمثلت في إسقاط النظام السياسي برمته تارة وإقالة الحكومة تارة أخرى وإجراء الإصلاحات السياسية على أقل تقدير تارة ثالثة، هو الفشل المتوالي للحكومات المتعاقبة في تلبية المطالب الخدمية مما يعني استمرار معاناة الشعب وارتفاع سخطه على الحكومة.
تكلل السخط الجماهيري بثلاثة أحداث دفعت بالجماهير النزول للشارع، وهي ما تعرض له حملة الشهادات العليا من إساءة مُهينة قامت بها قوات مكافحة الشغب، وحملة إزالة العشوائيات، وإقالة رئيس جهاز مكافحة الإرهاب.
ثم إن قيام الحكومة العراقية بقمع التظاهرات التي حصلت في 1-10-2019 بشكل وحشي، دفع لتعاطف الجماهير بشكل أكبر وأوسع ضد الحكومة، حتى نزلت الجماهير في 25-10-2019 بشكل واسع وكبير من قبل أغلب شرائح المجتمع دينية وعشائرية وأكاديمية وغيرها.
إن الفشل المتوالي للحكومات المتعاقبة في تلبية مطالب الجماهير، كان نتيجة لغياب الاستقرار السياسي، فكل حزب وطائفة كانت تدفع بالاتجاه الذي يحقق مصالحها ومصالح الدول التي تدعمها، هذا ما تسبب في غياب وحدة القرار الوطني وغياب الاستقرار السياسي.
ترتب على غياب الاستقرار السياسي غياب الاستقرار الأمني ابتداءً من الحرب الطائفية عام 2006-2007، ومروراً بالتفجيرات الإرهابية المتكررة، وانتهاءً بعصابات داعش الإرهابية التي احتلت ثلث مساحة العراق، وعلى الرغم إعلان تحرير العراق من داعش في 2017 إلا إنها لا تزال تمارس دورها بين مدة وأخرى في مناطق معينة.
يمثل غياب الاستقرار الأمني التحدي الأكبر أمام المستثمر، حيث ظل المستثمر الوطني فضلاً عن الأجنبي متوجساً من الإقدام على الاستثمار في البلد الهش أمنياً، لأنه في لحظة من اللحظات سيفقد كل أمواله، فيحجم عن الاستثمار في بلد كالعراق.
تفاقم الفساد أضعف بيئة الأعمال وحتى في ظل تحقق الاستقرار النسبي سياسياً وأمنياً، لم يُقدم المستثمر على الاستثمار في العراق، وذلك بفعل الإهمال الحكومي لبيئة الأعمال كنتيجة لعدم مكافحة الفساد بل وتفاقمه بشكل كبير جداً، فجمود بيئة الأعمال واستمرار الفساد يعني ارتفاع تكاليف الإنتاج وانخفاض الأرباح وانخفاض الأرباح غير مرغوب من قبل المستثمر، وهذا ما يعني ضعف بيئة الأعمال بسبب الفساد.
فغياب الاستقرار السياسي وتفاقم الفساد تسبب في فشل أداء الاقتصاد وأصبح الاقتصاد أسيراً لمصالح الأحزاب والطوائف والدول التي تدعمها، فكان الاقتصاد غير عادل في توزيع ثماره، حيث كانت الأكثرية تعيش على الفتات في حين تتمتع الأقلية بالثروة الهائلة التي يتمتع بها العراق، هذا ما يعني عدم استيعاب الاقتصاد للشباب بصورة خاصة والمجتمع بشكل عام.
وحينما شعرت الجماهير بالظلم والحيف لمدة 16 سنة مضت، من قبل الحكومة العراقية، مع إنها تملك ثروات كبيرة، خصوصاً النفط والغاز، حسب ما نص عليه الدستور في المادة 111 « النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات» انتفضت، الجماهير، ضد الحكومة لإسقاطها كونها تغاضت عن تلبية طموح الجماهير وتطلعاتها ولم تسهم في التخفيف من معاناتها. وعلى الرغم من استمرار التظاهرات وتزايد أعدادها والشهداء والجرحى، لأكثر من 10 أيام لا تزال الحكومة لم تستجب لمطالب الجماهير وتمارس المراوغة في أمل أن تخف وطأة حِدة الجماهير وتلاشيها، لكن يبدو من خلال الواقع أن حجم الجماهير آخذٌ بالتزايد وانضمام النقابات لصف الجماهير، ليس هذا فحسب بل التصعيد يبدو واضحاً من خلال إعلان العصيان المدني وإغلاق بعض الطرق والمؤدية للموانئ والحقول النفطية.
إن استمرار الإهمال الحكومي، والمراهنة على الوقت لمطالب الجماهير لا يخفف من زخم الجماهير بل يعطيه دافعاً أكبر للإصرار في الضغط على الحكومة لتحقيق مطالبه، وربما يدفع الإهمال، فضلاً عن القمع، إلى خروج التظاهرات عن سلميتها باتجاه العنف، وهذا ما لا يصب في صالح البلد. الاستجابة للجماهير هي الحل وعليه لابُد أن تعمل الحكومة في الوقت الحاضر وبشكل سريع، بحكمة وتعقل بعيداً عن القمع والإصغاء لصوت الجماهير والحفاظ على صورتها في سجل الشعب، وفي خلاف ذلك، وهذا ما حصل وللأسف، قد دفعت بنفسها للورقة السوداء في سجل الشعب. هذا إن دلَّ على شيء إنما يدل على عدم وجود إرادة وطنية للحاكم السياسي في العراق، لبناء البلد واقتصاده لاستيعاب الشعب، وإن المصالح الضيقة الخاصة والحزبية والطائفية هي التي تسيطر على عقله وإدارته، فطفت الاختلالات الاقتصادية والاجتماعية على السطح وانتفض الشعب لقلع من لا يسعى لتلبية حاجاته وطموحه وتطلعاته.