محمد آل الشيخ
كثيرون لا يعلمون أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان في بداية ثورة 1952 متعاطفاً مع جماعة الإخوان المسلمين، ويروى أنه في اليوم الأول للثورة زار قبر حسن البنا مؤسس الجماعة، كما أنه حل جميع الأحزاب السياسية ما عدا جماعة الإخوان، ويُروى أنه عرض على مرشد الإخوان حسن الهضيبي حينها أن يقترح عليه ثلاثة من أعضاء الجماعة ليكونوا وزراء في الحكومة التي يزمع الضباط الأحرار تشكيلها، إلا أن الإخوان رفضوا المشاركة بثلاثة أعضاء، وطالبوا بالمناصفة، فخشي منهم عبدالناصر ومن طموحاتهم واستبعدهم، ثم اكتشف أنهم يعملون للسيطرة على الشارع المصري واستقطابه إليهم، وقد حاول أحد أعضاء التنظيم الخاص للإخوان اغتيال عبدالناصر وفشلت المحاولة، فقبض على أغلب أساطينهم، وأعدم سيد قطب حيث كان أكثر الأعضاء حينها تطرفاً وخطورة، بعد أن صدر كتابه الشهير (معالم في الطريق) والذي كفر فيه جميع مسلمي عصره.
وبعد وفاة عبدالناصر أخرجهم خليفته الرئيس السادات من السجون وتحالف معهم في وجه ماكان يسمى حينها (مراكز القوى)، ثم مكنهم من العمل بحرية، وأسند إليهم وزارة التعليم وعمادات كليات التربية في الجامعات المصرية، غير أنه عاد واختلف معهم بعد زيارته لإسرائيل وتوقيع معاهدة كامب ديفيد، فترصد له مجموعة من كوادرهم وقتلوه، لأن من أهم ثوابتهم عدم الوفاء بالمواثيق، وعدم الاكتراث بأحلافهم، متى ما اختلفوا مع من يخالفونهم.
الرئيس مبارك حاول احتواءهم وأعطاهم قدراً واسعاً من الحركة ومن المشاركة في مجلس الشعب كمشرعين، لكنهم قلبوا له ظهر المجن، وخانوه، وتحالفوا مع ثورة 25 يناير في البداية، ثم هيمنوا على الحراك الثوري، واستفردوا بالسلطة، فكادوا أن يلقوا بمصر في فتنة بعد فشلهم الاقتصادي والسياسي فتدخلت المؤسسة العسكرية، وألقت بهم خارج السلطة.
المملكة ومثلها الإمارات كان لهما أيضا تجربة مريرة مع هذه الجماعة، حين فتحت لهم أبوابها بعد مطاردة عبدالناصر لهم، واشترطوا عليهم الكف عن نشاطاتهم الحركية، لكنهم انتشروا مثل الخلايا السرطانية في الجهاز التربوي والتعليمي وبقية مفاصل السلطة التنفيذية، وأخونوا ثقافتنا، غير آبهين بتعهدهم للملك فيصل رحمه الله بعدم ممارسة أي نشاط حركي مسيس في المملكة، إلا أنهم كعادتهم لم يفوا بعهودهم، وأصبحوا - كما قال الأمير نايف -رحمه الله- السبب الأول لتفشي ثقافة الإرهاب والعنف في محاضننا التعليمية، الأمر الذي جعل حكومة المملكة في عهد الملك عبدالله -رحمه الله- يصنفونهم على أنهم (حركة إرهابية).
رغم هذا التاريخ القذر وخيانة العهود والمواثيق لهذه الجماعة، وتقلبها، وخيانة من يناصرها، إلا أن حكام قطر لم يستفيدوا من تجربتنا ولا تجارب غيرنا مع هذه الحركة التدميرية الخطيرة، وبالذات تجربة مصر معقلهم الأول، فهذه الجماعة لا عهد لها ولا تلتزم بمواثيق ولا وعود، همهم الأول الوصول إلى الحكم بأية طريقة حتى وإن تنكروا لجميع من ناصروهم ودعموهم، وهم كما يقول تاريخهم جماعة تكذب وترائي وتنافق وتتقلب كالحرباء وتوظف الفتوى لتحقيق مصالحهم، ومتى ما سنحت لهم الفرصة اغتنموها وجيروها لتحقيق طموحاتهم السياسية، لذلك فليس لدي أدنى شك أن وجودهم في قطر وتحالفهم مع حكامها ومع أردوغان في الوقت نفسه، يجعلهم في كامل الجاهزية والاستعداد للوثوب إلى قمة هذه الدولة الصغيرة والسيطرة على مقاليد السلطة فيها متى ماسنحت لهم الفرصة، فكوادرهم تنتشر في كل أجزاء الجهاز التنفيذي القطري، لا سيما وأن وجود القوات التركية، وعلاقتهم الوطيدة بأردوغان، يجعل هذه الجماعة قادرة فعلا على تنفيذ هذه المهام بسهولة، في حالة وجود أي خلافات أو وهن داخل البيت القطري الحاكم، من هنا فإنني أعتقد أن أكبر خطر استراتيجي اقترفه حكام تلك الدويلة تمكين جماعة الإخوان ومن ثم الأتراك من السيطرة عسكرياً على الجغرافيا القطرية، وليس لدي أدنى شك أن تلك الجماعة لا بد وأنها قد بذرت بذورها الإيدلوجية في البيئة التنظيمية والتنفيذية في قطر، لذلك فأخشى ما يخشاه عقلاء قطر أن ينتهز أردوغان فرصة وجود التنظيم الإخواني ووجود القوات المسلحة التركية فيختلقوا داخل البيت الحاكم خلافات لينقضوا على الحكم، ويُبقوا أحد أفراد أسرة آل ثاني حاكما صورياً، بينما الحكم والثروة في أيدي جماعة الإخوان.
إلى اللقاء.