رجاء العتيبي
ليس بالضرورة أن تقدِّم نقدك الفني لأي عمل تراه، وتنشره في كل مكان، وتقوله لكل من صادفت. ليس بالضرورة أن تعلن لكل البشر أن هذا العمل لم يعجبك. يمكن أن تناقشه مع زملاء قريبين جدًّا, ولكن ليس بالضرورة إعلان امتعاضك من العمل الفني على الملأ لكونه لم يعجبك, وتنشره في كل مكان، وتحجز له من وقتك الكثير لتقول وتفند وتقنع وتجادل..
طالما أنت فنان (مبدع)، وليس ناقدًا، فالأفضل أن يركز المبدع على إبداعه، وليس على نقد الآخرين بصورة مبالغ فيها, وفي كل مكان.. لندع القراءة النقدية للنقاد, للذين قدَّموا أنفسهم نقادًا، وليس للمبدعين. الناقد يملك أدوات نقدية، ويستطيع أن يشرح العمل ويفككه وفق أدوات يعرفها جيدًا؛ لأنه ينطلق من منطلق علمي، وليس من منطلق انطباعي أو شخصي.
إذا كنتَ تقدِّم نفسك على أنك مبدع فالأفضل والمقترح والأسلم أن تنأى جانبًا عن نقد أعمال المبدعين في مجالك. دعهم ينتجون أعمالهم بأمان بعيدًا عن الاعتراضات النقدية من المبدعين؛ لأن المبدع سيقدم عملاً يومًا ما، وسيشاهده الآخرون، أو يقرؤونه، أو يسمعونه.. فليس بالضرورة أن يعجب عملك كل البشر؛ وستجد من يعترض على منتجك بصوت عالٍ؛ فلستَ محميًّا أنت أيضًا من الأصوات النقدية.
لهذا على زملاء المهنة أن يحترموا أعمال بعض حتى لو لم تعجبهم، أيًّا كان شكلها ولونها ورائحتها، ويتركوا النقد لمن يملكون أدوات النقد، ويعترف بهم الجميع بوصفهم نقادًا؛ لأن لغتهم لغة نقدية علمية بناءة.
ما دمتَ مبدعًا فلا تطفئ أعمال الآخرين؛ فهي ستنطفئ تلقائيًّا مع الزمن إذا كانت هجينة. لا تدفعها بهذا الاتجاه؛ هذه ليست مهمتك كمبدع. العمل الضعيف سيتوارى مع الزمن. خذ وقتك مع أفكارك وأعمالك ومنتجاتك.. لا يأخذك النقد والانطباع مأخذه. هناك آخرون يكفونك المهمة، إما نقاد أو مسؤولون أو جمهور.
النقد المتكرر، أيًّا كان نوعه، يُفسد أجواء المبدع مع مَن حوله؛ يصبح محيطه متوترًا، حتى هو يتوتر حين يقدِّم إبداعه للآخرين لمن انتقدهم على نطاق واسع.
الفن هو المكان الذي أنت فيه تشاهِد وتشاهَد في آن واحد، في الوقت الذي تشاهِد فيه عملاً إبداعيًّا، يشاهدك الآخرون: حركاتك، سكناتك، ردود أفعالك، آراءك، انفعالاتك.. وقس على ذلك العمل المقروء أو المسموع.
النقد عملية تصحيحية, تسير جنبًا إلى جنب مع العملية الإبداعية، والنقد والإبداع لا يجتمعان في شخص واحد بالنسبة المئوية نفسها.