مسفر آل فطيح
تم إسقاط طائرة ركاب أمريكية عام 1988م في قرية لوكربي في اسكتلندا غرب إنجلترا وتوفي جميع ركابها وأخذت التحقيقات زمنا طويلاً حتى تم توجيه الاتهام إلى مواطنيين ليبيين بالمسؤولية عن إسقاطهما للطائرة، وعلى أثر ذلك تم تفعيل العقوبات الاقتصادية على دولة ليبيا وساءت العلاقة مع نظام القذافي آنذاك، بعد ذلك أعلن القذافي المسؤولية وتم تسليم المتهمين في بداية التسعينيات، وتكبد الشعب الليبي حصارًا اقتصاديًا غير مسبوق، ودائمًا الشعوب هي من تدفع الثمن. تم تعويض أسر الضحايا مبالغ طائلة جدًا، وكان في ذلك الوقت لدى ليبيا برنامج نووي، وأخذت المفاوضات وقتًا طويلاً حتى أعلن القذافي التخلي عن السلاح النووي نهائيًا وتحديدًا بعد احتلال العراق..
أمريكا قررت التخلص من قاسم سليماني، على الرغم من أنه كان مستهدفًا منذ وقت طويل، هناك من كان يعتقد بأن قتل سليماني يمثل إجهاض ثورة العراقيين ضد إيران والحكومة العراقية المحسوبة على إيران وهذا غير صحيح، خرج العراقيون في مظاهرة عارمة فرحًا بالتخلص من سليماني..
إيران تعاني أزمات سياسية واقتصادية خانقة ومن غضب شعب عارم ليس في إيران فقط، في لبنان والعراق واليمن وسوريا، عندما ردت إيران بالهجوم الصاروخي أبلغت العراق بذلك بإيصال رسالة لأمريكا حتى لا يكون هناك قتلى أمريكيون وقد يكون هذا الهجوم غريبًا وهذا يؤكد بأن تهديدات إيران ووكلائها في المنطقة للاستهلاك الإعلامي والتعبئه فقط..
تم إسقاط الطائرة الأوكرانية في إيران بصاروخ من الحرس الثوري، وهذا يثبت بأن النظام الإيراني ارتكب خطأ فادحًا أودى بحياة كل من كانوا على متن الطائرة، تم النفى وبعدما زادت الضغوط الدولية أقر الحرس الثوري بذلك، وإسقاط الطائرة يعد جريمة جنائية تخالف القوانين والأنظمة وسيتم رفعها للمحكمة الجنائية في لاهاي وستكون حدثًا مهمًا في المفاوضات النووية العالقة، وقد تكون مبررًا للانسحاب من الاتفاق النووي من قبل الدول التي ما زالت تلتزم بهذا الاتفاق أو صياغة اتفاق آخر..
إيران حريصة أكثر من أمريكا من عدم نشوب حرب، والصراع الدائر بين أمريكا وإيران هو صراع بين العلم والجهل (خرافة الولاية)، دائمًا الأنظمة التي تدعي أنها تقف ضد الإمبريالية وما يسمى بقوى الاستعمار هي التي تصنع الأزمات السياسية والاقتصادية وتحاول إقناع شعوبها بهذه المخاطر، ولكن في هذا الوقت اصطدمت تلك الأنظمة بقوة الإدراك والوعي لدى الشعوب التي ملت من هذه الترهات التي لا تسمن ولا تغني من جوع فهي بمنزلة ذر الرماد في العيون كما تفعل إيران..
بعد سقوط داعش التي لطالما تاجرت بها إيران وتركيا ذهب الرئيسان الإيراني والتركي لعقد قمة إسلامية في كوالمبور بعد انكشاف ما جرى عام 2014 في تركيا عندما كان هناك اجتماع بين تركيا وإيران والإخوان المسلمين واتفقوا بأن العدو الأول هو السعودية والإمارات وهذا يؤكد العلاقة المتينة بين إيران والإخوان المسلمين في زعزعة الاستقرار ونشر الإرهاب بطرق ملتوية والمتاجرة به..
الدول العظمى لديها النفس الطويل في أي حدث وستأخذ الإجراءات وقتًا طويلاً قد ينهك إيران اقتصاديًا وسياسيًا، لا شك أن الشعب الإيراني أسقط هيبة النظام والقداسة التي كان يتمتع بها المرشد الأعلى وجميع القيادات، والقيادة الإيرانية تتعامل بغباء وجهل وسياسة قديمة تتوافق مع السبعينيات والثمانينيات الميلادية، أصبحت صور سليماني تمزق وهو تحت التراب وهذا مما جعل القيادة الإيرانية تشعر بالصدمة والخيبة وبعد ذلك أوعزت لوكلائها بإلقاء خطابات تحمل السلام وعدم التصعيد..
بعد احتلال العراق، سيطرت إيران على العراق عبر وكلائها، ولكن المفاجأة التي هزت أركان النظام الإيراني هو الجيل العراقي الذي جاء بعد سقوط العراق، جيل الغضب الذي ظهر من النجف وكربلاء والناصرية ومن مقر الحوزات العلمية، جيل يريد العيش بكرامة، ليس من مبادئه قداسة خرافة الولاية والسياسات المعهودة التي تتاجر بها إيران، أحرقوا صور سليماني حيًا وميتًا، جيل مختلف عن سابقه يمشي بخطى ثابتة نحو الاستقلال والحرية ونزع الوصاية الإيرانية..
آخر تصريحات الرئيس الإيراني بأن الحرس الثوري منظمة إنسانية، وأوعز لوكلائه بعدم التصعيد ونشر السلام والتسامح وحسن الجوار وهذا التوجه كان العالم أجمع يطالب به إيران سابقًا، مازال ترمب ينفذ وعوده التي أعطاها الناخبين، والديمقراطيين يشعرون بالحرج في كل ما فعلوه من التغاضي وإطلاق يد إيران في المنطقة، وكان الاتفاق النووي يمثل سياسة الاسترضاء والتنازل، وقد حذر سمو ولي العهد -حفظه الله- في لقاء سابق مع الرئيس الفرنسي ماكرون من تكرار اتفاق ميونيخ عام 1938م بين ألمانيا من جهة وبريطانيا وفرنسا من جهة أخرى، فبعد ذلك الاتفاق بستة أشهر نكث هتلر المعاهدات ونشبت الحرب العالمية الثانية، لذلك الاتفاق النووي الذي يخص إيران ليس ببعيد من اتفاق ميونخ..