أ.د.عثمان بن صالح العامر
من تابع جلسات مؤتمر الأزهر العالمي (تجديد الفكر الإسلامي) - الذي أقيم الأسبوع الماضي في رحاب هذه الجامعة العريقة والمنارة العلمية الراسخة - شاهد واستمع للحوار الذي دار بين رئيس جامعة القاهرة الأستاذ الدكتور: محمد عثمان الخشت - الذي كان يتحدث في الجلسة الموسومة بـ(دور المؤسسات الدولية والدينية والأكاديمية في تجديد الفكر الإسلامي) عن تجديد الخطاب الديني المطلوب في هذا العصر، مؤكداً أنه لابد من تأسيس خطاب ديني جديد، وليس تجديد الخطاب الديني التقليدي، موضحًا أن تجديد الخطاب الديني عملية أشبه ما تكون بترميم بناء قديم، والأجدى هو إقامة بناء جديد بمفاهيم جديدة ولغة جديدة ومفردات جديدة إذا أردنا أن نقرع أبواب عصر ديني جديد - وبين فضيلة شيخ الأزهر الشريف الأستاذ الدكتور أحمد الطيب الذي عقب مدافعاً ومنافحاً عن منهج الأشاعرة، ومطالباً بالتجديد داخل الفهم المذهبي للنص المقدس، وبنفس الأدوات التي كانت عند من سبق (علم أصول الدين). وهذه الجوالة من الحوار حول هذا الموضوع الحساس (التجديد الديني) لا تعدو أن تكون واحدة من جولات هذه المعركة التي تضرب أطنابها في تاريخنا الإسلامي، وجزماً لن تكون الأخيرة.
الجميع يتفق على أن هناك تجديدا مستمرا للخطاب الديني، مستندين فيما ذهبوا إليه على قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه: ( ِإنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كل مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا) رواه أبو داود (رقم/ 4291) وصححه السخاوي في «المقاصد الحسنة» (149)، والألباني في «السلسلة الصحيحة»، ومنطلقين من خاصية (صلاحية الإسلام للزمان والمكان منذ مبعث محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة)، ولكن هذا الاتفاق سرعان ما يعقبه الاختلاف بين مفكري الإسلام بدءا من تحديد مفهوم التجديد الوارد في الحديث، مروراً بصفات المجدد وسماته وهل هو فرد أو جمع، وتعريجاً على ضوابط ومحددات وسياقات ومبررات التجديد وكذا غاياته ومآلاته، ووقوفاً عند مسألة الأمور التي تقبل التجديد والأخرى العصية عن التغيير والتبديل من ديننا الإسلامي (الثابت والمتحول)، وانتهاء بتشخيص ما هو واقع من قراءة معاصرة للنص القرآني الكريم والحديث النبوي الشريف، هل هي من التجديد أو أنها تغريد خارج السرب وليست من الدين بشيء؟.
الشيء المهم في نظري أن الخوض في مثل هذه المسائل الحساسة والهامة والدقيقة يجب أن يبقى موكولاً للعلماء الربانيين الذين امتدحهم الله في كتابه الكريم وأمرنا بسؤالهم دون غيرهم والرجوع إليهم بعد الله ورسوله فيما جد من أمور الحياة ذات الصلة بديانة الإنسان وعبادته لربه، ومن أراد الحق في مسألة التجديد هذه فليرجع إلى ما قاله أعضاء هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية الأحياء منهم والميتين، فلهم كلام ثمين في موضوع التجديد المراد في هذا الحديث الصحيح، حتى لا يبقى الواحد منا مشوش الذهن حائر الفكر متردداً بين هذا وذاك وتؤثر عليه القراءات المعاصرة للدين خاصة من كان منها ذو صلة بالتشكيك وزعزعت اليقين بما هو في دائرة المسلمات العقدية والتشريعية والتفسيرية لدى الإنسان، والله أعلا وأعلم، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.