م. بدر بن ناصر الحمدان
نشر منتدى الرياض الاقتصادي في دورته التاسعة قبل أيام دراسة متخصصة عن التنمية المتوازنة في مناطق المملكة، أظهرت نتائجها أن نسبة 66 % من سكان المملكة يوجَدون في الشريط الأوسط (منطقة الرياض 25 %، المنطقة الشرقية 15 %، منطقة مكة المكرمة 26 %)، في حين تتوزع نسبة 34 % من السكان على بقية مناطق المملكة الأخرى.
هذا المؤشر السكاني يؤكد أن المملكة ما زالت تواجه تحديات كبيرة في التعامل مع التوزيع المتكافئ للفرص التنموية إذا ما علمنا أنه في عام 1960 كانت نسبة سكان المناطق الريفية 68 %، وانخفضت إلى نسبة 16 % عام 2018، في حين كانت نسبة سكان الحضر 31 %، وزادت إلى نسبة 83 % عام 2018، وهي - بلا شك - علاقة عكسية، تبرهن أن النزوح من المناطق الريفية إلى المراكز الحضرية عملية مستمرة، ولم تتوقف حتى الآن. الأمر الآخر أن انخفاض الإنفاق على المناطق ضعيفة التنمية عادة ما يصاحبه تراجع في مساهمتها في الناتج المحلي.
التقارير الأممية تشير إلى أن 55 % من سكان العالم اليوم يعيشون في المناطق الحضرية، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 68 % بحلول عام 2050م، وأنه لضمان الاستفادة من التوسع الحضري فإن سياسات إدارة النمو بحاجة إلى ضمان الوصول إلى البنية التحتية والخدمات العامة بفرص متكافئة للجميع، كما أن التوجهات العالمية تذهب باتجاه تشجيع الخطط والبرامج التي من شأنها الحد من تضخم المدن، وتحفيز الجهود إلى تنمية الأرياف والمدن الثانوية.
لذلك فالحديث عن زيادة النمو السكاني للمدن الكبرى هو «مغامرة غير محسوبة»، وقرار متعمد لمضاعفة المشاكل الحضرية، ومضيعة للوقت، وهدر للمقدرات الوطنية، وعودة للمربع الأول، وهو بمنزلة مسار معاكس لكل استراتيجيات التنمية التي تهدف إلى بناء مجتمعات عمرانية متوازنة. أهم مؤهلات إدارة المدن الرشيدة هو القدرة على تحليل الوضع الراهن، والتنبؤ بما سيحدث في المستقبل؛ لذا لم يكن عدد السكان معيارًا لجودة الحياة العمرانية على مَرّ تاريخ تخطيط المدن، بل تكمن في زيادة نصيب الفرد من الخدمات والبنية التحتية، ونمو مشاريع التجديد الحضري، وقدرة إدارة المدينة على القيام بوظائفها، وتحسين أدائها أمام السكان.
تنافسية المدن اليوم تعتمد بشكل رئيس على انتقالها من مرحلة «النمو» إلى مرحلة «التنمية»، الذي يظهر عادة على هيئة جودة الحياة داخل تلك المدن.