عمر إبراهيم الرشيد
جميلة هي الكتابة عن تجربة شخصية، أو حضور حدث ما، أو عمل تمارسه أنت، وتعرف أبعاده.. هي أعمق من الكتابة عن الشؤون العامة بمختلف مجالاتها.
قصدتُ يوم الأربعاء الفائت مركز الملك فهد الوطني لحضور تدشين المسرح الوطني والعرض الثاني لمسرحية (درايش النور). وللحقيقة، ودون بهرجة أو مبالغات، شعرتُ للمرة الأولى أن مجتمعنا دخل حقبة جديدة، وبسرعة خاطفة.. وأخص هنا المجال الثقافي، ومنه المسرح. فالمركز بمرافقه ومسرحه الراقي من جهة، والعاملين فيه من الجنسين من أبناء الوطن، بمهارتهم في التنظيم وحسن الاستقبال ومساعدة الجمهور من جهة أخرى، يعطي الانطباع لدى مَن حضر تلك الأمسية بأن المسرح الوطني قد انطلق.
وقد كتبتُ هنا مرارًا عن معنى أن يكون لدينا مسرح، وعن سبب تسميته (أبو الفنون).. فلن يكون هناك سينما أو دراما سعودية فاعلة بدون مسرح حي ومؤثر، يخاطب أفراد المجتمع، ويطرح همومهم وآمالهم بدون رتوش أو تجميل، وبلغة راقية.. بل إن المسرح من أهم أدوات نشر ثقافة الحوار، وحتى فن الإلقاء والوقوف أمام حشد من الناس أو كاميرا التلفزيون، أو حتى سماعة الإذاعة.
وبنظرة مقارنة سريعة بين المواطن الكويتي وغيره من أبناء الخليج تجده يتفوق في فن الإلقاء أمام الكاميرا أو الجمهور؛ والسبب وجود المسرح منذ أوائل الستينيات، والمسرح المدرسي منذ الخمسينيات.
أعود إلى أمسية تدشين المسرح الوطني، وأحيي وزارة الثقافة على نظرتها الشمولية واهتمامها بأبي الفنون. والأمر اللافت الذي لاحظته هو التعامل الراقي من قِبل الجمهور، وتفاعلهم مع المسرحية. كان بالفعل هناك تعطش اجتماعي، تراه بسهولة لدى جمهور تلك الأمسية لمشاهدة ما سيقدمه المسرح الوطني، ومن ثم تكوين تصوُّر أولي لما سيعالجه مسرحهم، ويخاطبهم به، ويتحاور معهم بطريقة غير مباشرة عن وطنهم وأرضهم، ثقافتهم وتاريخهم وهمومهم وآمالهم..
في تلك الليلة الجميلة خرجتُ من بيتي بشعور مختلف، وكأنني لستُ في الرياض. وبالفعل أصبح بالإمكان إطلاق سؤال (أين تذهب هذا المساء)؟
قطاع الثقافة مؤثر اجتماعيًّا وفكريًّا واقتصاديًّا كذلك.. وبناء الإنسان قبل بناء الجدران.
والمسرح مكمل لدور المسجد والمدرسة والجامعة والمنزل، إذا قدَّم ما يثري الفكر، وينشر الوعي الإنساني والجمالي، ويثبِّت القيم. إلى اللقاء بمشيئة الله.