د.عبد الرحمن الحبيب
الإعلان التجاري المباشر هو دعاية صريحة لترويج سلعة ما، يتعامل معه الجمهور كحق مشروع في التسويق، لكنه عندما يندرج من خلال المشاهير سواء أولئك الجدد بوسائل التواصل الاجتماعي أو نجوم السينما والرياضة وغيرها وكأنه مشهد عفوي لا يهدف إلى الترويج للسلعة بل للتعبير البريء، فهنا تكمن الخطورة فقد يأخذها كثير من المعجبين على علاتها، وليس كإعلان مدفوع الثمن.
يخلق المؤثرون على وسائل التواصل الاجتماعي نوعية جديدة من المشاهير ونفوذًا جديدًا على عقول المتابعين. هم ليسوا من نوعية النجوم التقليدين في السينما والتلفزيون والرياضة إلا أنه ظهر منهم من يفوق هؤلاء بأعداد ضخمة من المتابعين. كلاهما (المؤثرون الجدد والنجوم التقليديون) يدخلان سوق الإعلانات على وسائل التواصل الاجتماعي من خلال الإعلان المباشر أو غير المباشر لمنتجات الشركات أو لمنتجاتهم الخاصة أو لتسويق بعض الخدمات أو حتى للترويج لبعض الأفكار التي تخدم مصالح دول أو منظمات معينة. فكيف يبدو المشهد؟
المشهد العام بلغة الأرقام يوضح أنه في عام 2017 تفوق الإنفاق الإعلاني الإلكتروني (209 مليارات دولار) على الإعلان التلفزيوني (178 مليار دولار)، على مستوى العالم الذي كان إجمالي حجم الإنفاق فيه 511 مليار دولار. المتوقع هذه السنة (2020) أن يصل الإنفاق الإعلاني الإلكتروني إلى 280 مليار دولار أي نصف الإنفاق الإعلاني العالمي (579 مليار دولار) حسب تقرير شركة Magna.
خُمس حجم سوق الإعلانات على الإنترنت يظهر عبر وسائل التواصل الاجتماعي (وكالة الإعلانات زينيث أوبتيميديا). مع هذا النمو شهد دخل نجوم وسائل التواصل الاجتماعي قفزة ضخمة بالأعوام الأخيرة؛ لأن الشركات مستعدة لدفع مبالغ طائلة للحصول على حقها برعاية منشورات يظهر بها هؤلاء النجوم على وسائل الإعلام الاجتماعية، حسب موقع «The business insider».
صدر مؤخرًا تقرير شركة «Azia» للتسويق الذي يتناول المحتوى المدعوم من جهة راعية على يوتيوب وفيسبوك وتويتر وإنستجرام وعدد من المدونات، وأسعاره خلال الفترة من 2004 إلى 2019. خلص التقرير إلى أن المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي، في فئات مختلفة، يحصلون على دخل كبير. وعادة يعد من المؤثرين بتلك الوسائل ممن لديهم مئة ألف متابع فأكثر.
حصل يوتيوب على أكبر دخل، بأربعة أضعاف الدخل من أي نوع آخر من المحتوى المدعوم؛ إذ ارتفع معدل الدخل للمقطع من 420 دولارًا في عام 2004 إلى 6700 دولار في عام 2019؛ مقارنة بارتفاعه: من 8 إلى 395 للمنشور في فيسبوك، من 8 إلى 134 للصورة في إنستجرام، من 29 إلى 422 للتغريدة في تويتر، من 407 إلى 1442 دولاراً للمنشور في مدونة. جزء مهم منها يدخل ضمن الإعلان غير المباشر أو المخفي من خلال المؤثرين بوسائل التواصل الاجتماعي، وهنا مكمن الخطورة.
وتزداد الخطورة مع ازدياد عدد المشاهير في شبكات التواصل وتعاظم نفوذهم على أفكار الناس. إذ يوضح التقرير المذكور أن المنشورات المدعومة من قِبل مؤثري شبكات التواصل الاجتماعي زادت بنحو 150 % العام الماضي. ويتوقع التقرير زيادة إنفاق الشركات والعلامات التجارية على التسويق المدعوم من نجوم الشبكات الاجتماعية في عام 2020؛ لتبلغ قيمته 10 مليارات دولار.
لذا سعت الدول الغربية إلى وضع شروط ومعايير لهذه الإعلانات غير المباشرة، أهمها أن يذيل المحتوى بنص أو وسم يوضح أنه مدفوع الثمن أو إعلان تجاري. ففي بداية العام الماضي حذرت هيئة المنافسة والأسواق في بريطانيا من أن منشورات بعض نجوم وسائل الإعلام الاجتماعية قد تنتهك القانون إذا لم توضح أن منشوراتها هي دعاية للمنتجات التي تظهر فيها. كما أنه يتم فحص مضمون المحتويات من ناحية سلامة البضاعة خاصة النواحي الصحية في الغذاء والدواء. مثلاً، حين روجت ثلاثة نجوم في إنستجرام لمنتجات حمية غذائية يحظرها مركز مراقبة الدعاية في بريطانيا، قامت المنظمة بوصف تلك المنشورات بأنها «غير مسؤولة» حسب «بي بي سي».
ومن هنا يذكر الباحث الإعلامي سيف السويلم أن توظيف بعض الشخصيات المشهورة معتادٌ في تويتر بأمريكا وبعض الدول العالم، لكنه يمتاز بالوضوح والشفافية من خلال تذييل التغريدات بوسم يشير إلى أنها مدفوعة الثمن، على عكس ما يحدث لدى بعض حسابات السعوديين والعرب الذين يواجهون حرجاً في الوضوح مع متابعيهم؛ الأمر الذي قد يدفعهم إلى محاولة إيهامهم بأن التغريدات عفوية ولا تستهدف خدمة أي جهة. لافتاً إلى أن المجتمع المحلي أصبح يدرك اليوم التغريدة المدفوعة وغير المدفوعة من خلال الردود، إلا أنه لا يزال منقسماً بين قبولها انطلاقاً من كون الإعلان حقًّا مشروعًا لتلك الشخصيات، ورفضها على اعتبار أن ذلك يمثّل استغلالاً للمتابعين.
فهل انتهى زمن الدعاية التقليدية أمام الإلكترونية؟ «سيوجد دائماً مزيج بين التسويق الإلكتروني والإعلان التقليدي» حسبما قال يوفال بن أتساك، الرئيس التنفيذي لشركة سوشيل باكرز للتسويق الاجتماعي. هذا المزيج سيشكل ثقافة إعلانية مختلفة، تروج لأنماط استهلاك جديدة بأساليب جديدة عبر محتوى معلوماتي يفتقر للمصداقية، فضلاً عن الشك في مشروعيتها وأخلاقيتها إذا ظهرت عبر إعلان مخفي.. ليبقى السؤال الأهم: هل سيتغير تفاعل المستهلكين مع تلك الإعلانات؟