رمضان جريدي العنزي
الرجل العاقل المتزن الحليم، صاحب الحكمة والبصيرة، لا يحب (المناقرة)، ولا يحب أن يتسلى بالصراعات والعداوات والأحقاد، ويكره أن يشحن نفسه بالكره وبالبغض، ولا يحب الهجوم بقدر ما يحب الدفاع إلا إذا اضطر اضطرارًا.. ويمقت التصريحات والخطابات (الفلتانة)، والاتهامات المباشرة غير المبررة. والرجل صاحب الصفات الحسنة، والأخلاق النبيلة، ليس (شرانيًّا) ولا (ملقوفًا)، يكره الخفاء والتخفي، ولا يعمل بطرق ملتوية وغير سوية، وليس له وجهان، وجه في الصباح، ووجه آخر في المساء؛ كونه يملك كنزًا من الأخلاق والمبادئ الحسنة واحترام الآخرين أيًّا كان أشكالهم أو ألوانهم أو أحجامهم أو انتماءاتهم أو مشاربهم الثقافية أو مواقعهم الاجتماعية، و(يغض) الطرف كثيرًا عن (الهمز) و(اللمز) و(الغمز) الصادرة من أفواه جائعة للكذب والبهتان والنفاق والرياء والتجريح والتزوير وقَلْب معادلات الحقيقة، ومحاولة الوصول للأهداف والمقاصد حتى ولو عن طريق لفظ الآخرين، ورميهم، واتهامهم جزافًا وعدوانًا وظلمًا وجبروتًا.. ويحاول ألا يخلط بين (الفنتازيا) والواقع، ولا يملك ثقافة الاستعلاء، وحب الفوقية والتعالي والخيلاء، ويكره بشدة العنصرية والحقد والبغضاء والتصنيفات الاجتماعية البائدة والنتنة، ويبغض أن ينعت الآخرين بألقاب وأسماء غير صالحة، أو أن يطلق عليهم صفات منافية للواقع وبعيدة عنه، ولا يحب بسط نفوذه الثقافية والبيئية وعاداته وتقاليده ولهجته، ويحب أن يلبس ما يناسبه ويروق له، لا ما يناسب غيره ويروق لهم، ويبتعد كثيرًا عن تصنيف الناس إلى تيارات ما أنزل الله بها من سلطان، مثل تيار (ليبرالي) أو تيار (محافظ) أو تيار (تقليدي) أو تيار (متشدد) أو تيار (علماني) أو تيار (بين بين)، ولا يؤمن بالأحزاب والطوائف والجماعات والمخيمات والمراكز تحت أي اسم أو نشاط، ويحتقر الشعارات الرنانة التي لا تفيد ولا تجلب الخير ولا (توكل عيش)، ويكره الظلم والقهر والاحتقار والغطرسة والإهانة، ولا يحب أن ينظر للآخرين نظرة مكابر أو متعالٍ، ويكره الكذب والفتنة ومحاولة شق الصف تحت أي سبب أو مبرر أو ذريعة، ويكره أن يقذف الآخرين بكرات النار، أو يحاول أن يصب الزيت على هذه الكرات النارية لتزداد لهبًا واشتعالاً، ويمقت أن يكون الآخرون مثل (الخرمنجي) الذي يتذوق الدخان ويصنف جودته من أول (مزة)؛ إذ يعتمد على حاستَي الشم والذوق، لكنه لا يعلم أن هاتين الحاستين المهمتين قد يصيبما الوهن والتصدع نتيجة (ميكروبات) أو (فطريات)، تضرب أطناب هاتين الحاستين العظيمتين بقوة مدمرة.. وعنده يقين تام بأن ثوبًا (مقلمًا) يرتديه الإنسان على (سروال) صيني، وينتعل (زنوبة) بلاستيكية صناعة هندية، قد يكون أفضل تفكيرًا وفهمًا، وأوسع إدراكًا وثقافة من إنسان يرتدي أفضل الأقمشة اليابانية صناعة، وينتعل أفخم الماركات من الأحذية، ويقتني أجمل الأقلام ألمانية الصنع، ويحب أن (يدهن) وجهه في كل وقت وحين بكريم (سان لوران) بحبيباته (الكرستالية) المصنوعة بعناية فائقة، أو يحاول أن تكون له هيئة خاصة في طول ردائه أو قصره، وفي لون (مشلحه) وعرض (الزري) ورائحة (دهن العود)، لكنه في المقابل لا يعي الحكمة في القول، ولا يعرف الطريقة السليمة في الدعوة والموعظة الحسنة والإرشاد، ولا يعي كيفية التواصل الاجتماعي، وليس لديه وعي في التبدلات الكونية والعالمية، ولا يستوعب الجديد في الاختراعات العلمية، وماهية الذرة والنواة، ولا يميز بين الفلق والغسق والشفق، ولا يعرف أسلوب المخاطبة والتحدُّث بالحكمة واللين وسهولة الطرح ومخالطة الناس، ولا يفرق بين الطقس والمناخ، ولا يميز بين (الشعيب) و(الوادي)، ولا بين (الضلع) و(التل)، ولديه دائمًا (تضرس) حاد، ولسان (سليط). إن على هؤلاء أن يعتبروا أن عصر (البرطمة) و(التكشير) و(شوفة النفس) و(الفشخرة) الكاذبة، وفرض الرأي من غير إقناع ولا دليل صريح، ولَّى من غير رجعة، ولن يعود، مطلقًا لن يعود. إنها دعوة صريحة لمراجعة النفس؛ فهي السلاح الوحيد للتصحيح، والسعي نحو الأفضل، وهي ضرورة من ضروريات الحياة للرقي والنهوض بالذات والأمة والوطن. ولا بد لنا جميعًا من رمي وإزاحة ثقافة الاستعلاء والتكبر والترفع والخيلاء، وثقافة رمي الآخرين بالحجارة دون ذنب أو (جنية)، وإيقاف الترويج لهدم الإنسان، والدعوة لنكوصه وتقوقعه وتخلفه، ووجوب إنهاء نشر العنصرية البغيضة، وتصنيف الناس ووضعهم في خانات ومكعبات صنعوها لهم حسب الأمزجة الواهنة، والأهواء المريضة، والمبتغيات السقيمة، والثقافة الجاهلة البائدة، التي ما أنزل الله بها من سلطان، بل حذر منها، ونهى عنها، وتوعد مَن قالها وعمل بها وأطّر لها وأشاعها ونظر لها.