د.عبدالله مناع
في «ظاهرة» ديموقراطية عربية هي الأولى من نوعها، و»عراقية» -غير متوقعة-.. قدَّم الرئيس العراقي (برهم صالح) في السادس والعشرين من شهر ديسمبر الماضي «بياناً»، لـ(البرلمان العراقي): أعرب فيه عن استعداده لـ(الاستقالة) قائلاً: (إن مسؤوليتي الوطنية تفرض عليَّ في هذا الظرف (الاستقالة)، وهو يضيف قائلاً: (أقدم استقالتي تفادياً للإخلال بمبدأ دستوري)!! موصفاً في الوقت ذاته «مهام» رئيس الجمهورية كما يراها من وجهة نظره عندما قال: (إن منصب رئيس الجمهورية يجب أن يستجيب لإرادة الشعب.. لذا أضع استعدادي لـ(الاستقالة) أمام البرلمان العراقي..)، وهو يضيف قائلاً: (إن مسؤولية الرئيس هي في حفظ السلم الأهلي، وحقن الدماء)، ليغادر بعدها مبنى البرلمان وبغداد كلها.. عائداً!! إلى مسقط رأسه «السليمانية»، إلا أنه أضاف إضافة شديدة الأهمية عندما قال (إن منصب رئيس الجمهورية يجب أن يستجيب لـ(إرادة الشعب)! لخلافة الرئيس المستقل (عادل عبد المهدي) إلا أنه اعتذر عن ذلك لـ(حزبية) التي تخالف مطالب جماهير المحتجين في الساحات والمدن العراقية!!
لذا أضع (استقالتي) أمام البرلمان ثم غادر مقر (البرلمان)، و»بغداد» كلها.. عائداً إلى مسقط رأسه في (السليمانية)، إلا أنه أضاف إضافة لا تقل أهمية قبل مغادرته عندما قال: بـ (إنه قد وصلته مخاطبات عدة حول ترشيح زعيم الكتلة البرلمانية) الأكبر يناقض بعضها بعضاً، وأنه اعتذر عن تكليف مرشح (كتلة البناء) السيد أسعد العيداني.. تشكيل الحكومة الخلف لحكومة (رئيس الوزراء عادل عبد المهدي) المستقلة.
ورغم المفاجأة المذهلة التي أحدثها بناء استقالة الرئيس العراقي (برهم صالح).. على المستويين العربي والدولي إلا أن المفاجأة الأكبر كانت في رفض الاستقالة نفسها!! من قبل معظم الكتل النيابية العراقية بداية من كتلة (سائرون البرلمانية إلى كتلة (ائتلاف الوطنية بقيادة) الزعيم العراقي المعروف (أياد علاوي).. إلى (كتلة ائتلاف النصر).. إلى كتلة الزعيم الديني العراقي المعروف (مقتضى الصدر).. إلى كتلة (ائتلاف النصر) التي دعت إلى سحب الاستقالة نفسها، ومواصلة الرئيس (برهم صالح) لمهامه الوطنية والدستورية.. ليتواصل رفض الكتل البرلمانية العراقية لـ(استقالة الرئيس برهم صالح) حتى تحوَّلت جلسة البرلمان العراقي في ذلك اليوم.. إلى (مهرجان) انتخابي لـ(تجديد الرئاسة للرئيس (برهم صالح)).. وليس لقبول استقالته!؟
وكان العراقيون بـ(رفضهم الجماعي لـ(استقالة الرئيس برهم صالح قد وجدوا إضاعتهم في رئاسته أو على الأقل في نموذجه الديموقرطي غير المتوقع..!!
لكن مشروع استقالة الرئيس «برهم صالح» الذي رفض برلمانيًا من قبل معظم أعضاء المجلس إن لم يكن منهم جميعًا كشف عن أكثر من خلل جسيم في الدستور العراقي الجديد ومواده.. لعل أبرزها ما جاء في المادة (75)، التي يقول نصها: (يحق لرئيس الجمهورية تقديم الاستقالة تحريرياً إلى رئيس مجلس النواب، وتعد نافذة بعد مضي 7 أيام من تاريخ إيداعها لدى مجلس النواب، ويحل نائب رئيس الجمهورية محل الرئيس عند غيابه، كما يحل محله عند خلو منصبه لأي سبب كان، وعلى مجلس النواب انتخاب رئيس جديد، خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً)، وهما أمران يصعب إنجازهما في هذا الوقت القياسي حتى لدى الدول المتقدمة، السياسي في الدول المتقدمة!! فضلاً عن العراقي نفسه..
لتبقى بعد ذلك استقالة الرئيس (برهم صالح) وما حوته من أحداث وتفاصيل علامة مبشرة في تاريخ العراق ومستقبله!؟