د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
هناك في محافظة الغاط بين جبال شواهق تشتاقها صفوف النخيل، وفي رحبة منبسطة كراحة الكفوف المعطاءة لأهلها؛ وفي المدينة الرشيقة المضاءة للثقافة منذ عقود والتي ما زالت تنداح منها منصات التنوير فتهفو لها العقول المكتنزة تزهو بحراك ممتد من شمال الوطن حيث البدايات في مركز الأمير عبدالرحمن السديري في (الجوف) حين استشرف رحمه الله مستقبلاً ثقافيًا آخر سيشرق في الغاط ويمتد التنوير فوّارا إلى الحضن الودود الذي حظي بحفاوة الأمير الراحل ومن بعده أبناؤه وبناته ولكنها حفاوة من نوع آخر حيث كان التأسيس للثقافة في ذاك العهد (صعب وطويل سلّمه إذا ارتقى فيه الذي لا يفهمه) فكان الصعود مكينًا وكانت مكتبة الرحمانية الثقافية في محافظة الغاط ميلادَ مؤسسة ثقافية في الغاط حملتْ مجموعة من مشاعل التنوير، فهي دار معرفة أصيلة لها معاييرها فيما تحمله وتنشره وتديره، وهي موقع فاخر يقام فيه (منتدى منيرة الملحم السنوي الثقافي المجتمعي) الذي يستجلي متطلبات التنمية المجتمعية في صفوف متوالية تبرز فيها الانتقائية الموضوعاتية العالية، كما يستقطب المنتدى العقول المتخصصة لتبسط في المنتدى شواهد الموضوع وممكناته وأدواته وتعرض دروب تطويره من خلال نخبة مصطفاة من جديري الوطن والمبصرين في المجال المطروح؛ وفي مكتبة الرحمانية أيضًا تأطير حافزٌ في صياغة التنمية المجتمعية داخل نطاق المحافظة وما جاورها في مجالات عديدة ثقافة وتدريب وتأهيل ومعارض محفزة ودعمٌ للمعرفة بكل أشكالها وتحقيقٌ لممكنات النهوض من خلال المشتركات مع المؤسسات الحكومية في المحافظة وقنوات القطاع الخاص؛ وتواشج متين مع المناسبات والأيام الوطنية.. وتعزيزًا لذلك السبق المؤسسي المجتمعي استضافت محافظة الغاط في يوم الاثنين الماضي وعلى منبر منتدى (منيرة الملحم السنوي لخدمة المجتمع) نسيجًا وطنيًا متينًا لموضوع حيوي لصيق ومتواشج مع رؤية بلادنا العملاقة وهو (دورالقطاع غير الربحي في الارتقاء بمؤشر رأس المال الاجتماعي في ضوء رؤية 2030) وذلك الانتقاء أحسبه إبصار جدير بالتقدير والإشادة من القائمين على المنتدى نحو ممكنات المجتمع الحيوي ذي الاقتصاد المزدهر؛ وفيما تم طرحه كانت هناك محكات ممنهجة ستمنح بعون الله مفاتيح البدايات لكل الراغبين في تشكيل وإنشاء قطاعات غير ربحية داعمة للتنمية المجتمعية في الغاط وسواها؛ فالحضور المتلقّي تشكّل من عدة محافظات مجاورة ومن الرياض العاصمةمما فتح حوارات عميقة حول الموضوع انكشفت عنها بعض الرؤى المتطورة لقيادة العمل الاجتماعي غير الربحي في مجالات التنمية المجتمعية؛ ومن اللافت في جدارة ذلك الموضوع للطرح أن المنتدى عزز الموضوع باستضافة حيوية مبصرة لمن يمثل المرجعية النظامية الرسمية للقطاع غير الربحي ممثلاً في وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وضوء آخر لممثلين ورؤساء عن بعض الجمعيات الخيرية التنموية وعن جوائز وطنية تحفز لخدمة المجتمع؛ وفي المنتدى شواهد تحمل دلالات التنوير؛ وصفوف من الحوافز الداعمة للحراك المجتمعي المثمر الإيجابي الذي يستهدف الإنسان وتنميته تكونت في دار الرحمانية وانبثقت قوية من المنبع الكبير (مركز السديري الثقافي) في الجوف ولا يستغلق على البصير التقاط متغيراتها وتجددها الدؤوب فالمثاقفة تراسلتْ مع الغاط فاقتربتْ الرؤى واستدارت الزوايا! أما المنتدى السنوي المكتنز «منتدى منيرة الملحم لخدمة المجتمع» فهو منصة إشراق مجتمعية ومجيء مدهش توشحه اسمها رحمها الله ليصبح جزءًا من الثقافة الوطنية وأتمت عائلتها رسم لوحاته النامية فعبر ذلك المنتدى المجتمعي مدارجه في اثنتي عشرة سنة حتى هذا العام 1441. نعم هُنَاك في الغاط شعور جميل بالمغامرة المحمودة لفتح بوابات الثقافة وخدمة المجتمع على مصراعيها لتمتد من الغاط الجميلة إلى كل أرجاء بلادنا فهنيئًا للغاط حراكها الثقافي المثمر وهنيئًا لها ازدهارها المجتمعي المشهود الذي صنعته تلك العقول العظيمة رحمهم الله وحفظ امتدادهم ليكملوا المسيرة التنموية الثقافية، ويستحق مركز الأمير عبدالرحمن السديري في منطقة الجوف ومشاعله في محافظة الغاط وما ينتج عنه من حراك ثقافي تنموي مجتمعي تصدّر مصادر التنوير الثقافي تأسيسًا في بلادنا، كما منح المرأة أول نوافذ التنوير في مشروع ثقافي كبير، وتبنّى مفهوم الشراكة المجتمعية قبل صياغاتها الحديثة؛ يستحق تكريمًا وطنيًا في أرفع مستوياته.
بوح:
إن عشقنا المُقام في الغاط يومًا
فهو شوق وبهجة وقبول