فهد بن جليد
ما يُقال عند المزاح بين الأشخاص هو (كلام كامن) بين الطرفين لا يمكن تبادله أو البوح فيه بشكل مباشر، لذا ما يقوله لك صديقك مازحاً هو جانب آخر من صورتك الحقيقية التي يراها، وفي مرَّة قادمة سنتحدث عن ذلك بالتفصيل استناداً لدراسات علمية، أمَّا اليوم فحديثنا مرَّة أخرى عن ثقافة (المسارح الارتجالية) التي تعد من أرقى الفنون الناقدة واللاذعة، التي تسهم في كشف حساب المجتمعات، لأنَّه يقال فيها ما لا يمكن أن يُقال في الحقيقة على طريقة (المزاح) المقبول أعلاه.
في كل المجتمعات الإنسانية يتم الاعتماد على أعمال وعروض الـ(ستاند أب كوميدي) لإطلاق النكات لوخز بعض القضايا المجتمعية العالقة التي لا يستطيع المشتغلون بالشأن العام البوح بها بشكل مباشر، والسخرية من بعض المواقف وردود الفعل دون التقليل من أي فئة مجتمعية، ضمن شروط عالمية متوافق عليها، إلاَّ أنَّ المُتابع للنسخ السعودية من هذه الأعمال رغم حداثتها، ربما شعر بأنَّ هناك نكهة ما زالت مفقودة في هذه التجارب، بسبب أخطاء وتجاوزات بعض المؤدين لها بعدم فهمهم وإدراكهم لأدوارهم الكوميدية والناقدة، وغرقهم في بعض الإيحاءات أو العبارات الخارجة عن النص ضمن المحاذير الأخلاقية أو الدينية أو تلك المُخالفة لطبيعة وثقافة وقواعد المجتمع، نتيجة اندماجهم وتحمسهم مع صيحات وتعليقات الجمهور، وهذا الانسجام لا يعفي حتماً من خطأ الانزلاق في تعليقات وقفشات لا يقبلها المجتمع حتى لو كانت من باب استحلاب النكتة أو المزاح.
تأهيل المؤدين وتثقيفهم وتوعيتهم ورفع مستوى الأداء للموهوبين السعوديين في هذا الفن مطلب، مع الحاجة لإعادة تنظيم هذا الفن خصوصاً وأنَّ العديد من الأخطاء التي وقعت كانت من مؤدين (غير سعوديين) في الغالب، بعيداً عن الرقابة المسبقة التي تقتل هذا النوع من الفن القائم أصلاً على كوميديا الموقف، بالارتجال وسرعة البديهة والنكتة الآنية الحاضرة، ولنتذكر أنَّ الفن والرياضة والموهبة لا جنسية لها.
وعلى دروب الخير نلتقي.