سهام القحطاني
رجل.. قدره التحدي والإنجاز.
*كيوبيد الحب العذري.
تربينا نحن السعوديين والخليجيين عامة على شعر خالد الفيصل، فهو جزء من ذاكرة جمالياتنا الأدبية.
من كان يعشق يرسل إلى حبيبته بعض أبيات خالد الفيصل لتتحول تلك الكلمات إلى مرسول الحب، ومن كانت تحب من الفتيات في صمت تحولت الأغاني التي تزدهر عشقًا وفرحًا بكلمات خالد الفيصل إلى سلوان للحضور والبوح.
وما زالت قصائد دايم السيف أيقونة لكل عاشق وعاشقة خليجي وفي زمن اليوتيوب والواتساب تحولت قصائده إلى أيقونات ورمزيات وثيمات للحب العذري.
لقد استطاعت قصائد خالد الفيصل أن تشكل لكل سعودي وسعودية مدونة عشق ما نزال نرتوي منها حتى الآن وإلى المستقبل، لكن خالد الفيصل ليس الشاعر الذي علّمنا الحب فقط بل هو وجوه أخرى تشمل مع الإبداعي اللفظي إبداع العطاء، ليصبح التحدي له كالحب ملهما لجمال الإنجاز، هذا وأكثر ما ستكتشفه من خلال قراءة الفيصل» إن لم.. .فمن.. !!؟.
* إعلان صدى المواقيت.
«لماذا أكتبني لتقرأني؟ لماذا أشرحني لتفهمني؟ لأنني منك وأنت مني.. وكلانا بأغنية الوطن نغني». ص6
يقولون إن الرموز القيّمة في حياة المجتمعات يجب أن تظل خلف غيوم الغموض وحجب الألغاز لتظل زاخرة بوهج الشوق والانبهار.
وذلك غير صحيح فبعد أن تقرأ هذا الكتاب لأيقونة الحب العذري لخالد الفيصل ستستنتج أن الغوص في عوالم قيمة سعودية كقامة خالد الفيصل ومشاركته تجربته الثرية على مستوى إنجازاته الوطنية التي يفتخر بها ونحن نفتخر بها زادت قيمة الشاعر الذي فُتنا بجمال شعره قيمة فوق قيمة واقتربنا من فكره وعقله وإِنسانيته من خلال هذا الكتاب، لنكتشف أن صانع جمال الكلام هو أيضًا صانع جمال الإنجاز، وأن التحدي رافق قدره فكان الإنجاز رفيقه.
يرسم صانع جمال الكلام دايم السيف الخريطة الذهنية التي ستبحر من خلالها عبر سفينة تجربته لعوالمه الفيروزية، و الفيروزية أقصد بها رفاهية ورفاهة الوصف والتوصيف، تجربة الإبحار في أعماقها تدغدغك بالدهشة، تجربة الغاية منها قيمة الحصول على فكر وتحدي وشعور وموقف وحاصلها من خبرة وتجربة وعلاقة وتواصل، وليست السردية التاريخية في ذاتها، ولذلك قال في مطلع الكتاب أن هذا الكتاب ليس بسيرة ذاتية بل هو تجربة إنسانية؛ لأن السير الذاتية إضافة إلى الخصوصية فهي ليست بالضرورة فاعلاً نفعيًا فهي غالبًا تمجيد للأنا، في حين أن التجربة الإنسانية هي علامة ثقافية بالتمثيل والنمذجة والمشاركة.
«اعترف أني لست من العلماء الجهابذة.. لكني نبتة هذه الأرض.. ومواطن هذا الوطن..
عشقت ترابه.. عانقت سحابه.. آمنت بالقدر.. وعايشت الحياة.. واستمتعت بالتحدي «ص7.
قد تحسب في البدء أن الإبحار في عوالم شخصية مثل شخصية خالد الفيصل هو أمر صعب لتكتشف أثناء القراءة أن الأبحار في أعماق تلك العوالم متعة ودهشة ومعرفة وانبهار بموقف هنا وقول هناك وعذوبة مشاعر هنا ورقة ردة فعل هناك، كل هذه التفاصيل الذهبية التي تحتضنها صفحات الكتاب تجذبك لسحر تجربة الفيصل الإنسانية التي لا تخلو من بصمة جمال، وعلى الرغم من هذا المسار الحالم لرفاهة وصف التجربة الإنسانية فهو محاط بعقلانية الواقعية والوقائعية المشهودة بالتوثيق وهو ما يدعم جمال تلك التجربة ويحفظها من شطط التمييز أو قوقعة الزاوية.
هذا بعض ما سيشعر به بها قارئ كتاب «إن لم...فمن!!؟» من أول صفحة من كتاب إلى آخر صفحة، وكأنك تقرأ تجربة منسوجة بأسلوب قصيدة، تجعلك تردد بعد كل صفحة في نفسك ستظل الرقة والعذوبة قدر أسلوب هذا الرجل.
من السهل الممتع أن تسافر في عوالم صانع إبداع وفكر، ومن الصعوبة تحليل تأملات تجربته الإنسانية؛ من الممتع لأنه يمنحك طاقة قوة وطموح لا حدود لها، أما الصعوبة فموطنها بلاغة الإيجاز التي انتهجها الفيصل في توصيف تجربته وكأنه ينسج قصيدة من خيوط الشمس، فكلما رقّت العبارة وتعمقت الرؤية أصبح تفكيك رمزياتها أصعب؛ والصعوبة ليست حصرية على تراكمية التجربة المترامية الأطراف على مستوى المكان والزمان والإنجاز والتحدي والعمل فقط بل أيضًا على مستوى زخم ورفاهة الثنائيات التي حاطت بها فشكّلت تجربة إنسانية «هي التي اختارته لها لا هو من قرر اختيارها» وعلى الرغم من اللا إرادية تلك أصبح كلا القدرين مصدر تأثير وتأثر، أو كما قال الفيصل «ما يهمني في هذا المقام هو طرح التجارب التي شكلتني وشكلتها»ص76.
«نجحت وأخفقت.. وتأنيت واستعجلت، وأصبت وأخطأت.. وازدهرت بالتجارب حياتي» ص8
قالوا من أنت؟ قلت مجموعة إِنسان.. من كل ضد وضد تلقون فيني.. إما عرفتوني فلاني بزعلان.. حتى تراني احترت الله فيني».
الاعتراف بماهية الذات والأنا هي مسألة رؤية لا مسألة تعريف وتعرّف، وكلما جنحت أسئلة الماهية نحو اتجاهات الرؤى استصعبت التوضيح لتظل المسألة الأقرب إلى الإجابات هي العلامات الدالة على المعاني لا الشارحة لها، تلك العلامات التي تحمل الثنائيات المتشابكة لأن الأنا الأحادية ليست حقيقة فليس هناك نجاح مطلق ولا فشل مطلق، ولا تحد قاهر ولا أحلام مستحيلة، بل الأنا الممزوجة بالثنائيات التي تشكل التجارب الإنسانية فالفشل يخلق النجاح والقدرة تهزم التحدي والعقل والتخطيط ينفيان خدعة المستحيل، أو كما يقول الفيصل.
«يبدو أن التحدي هو قدري.. ويعلم الله أني لم أبحث عنه.. ولكن عندما قصدني لم أهرب منه؟» ص72
* سيرة خارج إطار النمطية.
تعودنا على نمط معين تُصاغ من خلاله كتب السير الذاتية فهي غالبًا ما يسعى صاحبها إلى فرض تصور خاص على القارئ تصور يهدف منه إلى رسم صورة بطولية وفروسية تخلق مسافات الزيّف في أبعاد ذلك التصور وفجوة التخيّل بين القارئ وصاحب السيرة، مسافات يحيط كاتب السيرة الذاتية نفسه بنفسه ليصبح أنا يساوي أنا، أو أنا وأنا، مسافات خادعة لذهن القارئ لاستعمار مخيلته بصورة مخالفة لصاحب السيرة تحيطه بهالة ادعاء ملفق بخصوصية المنحى والتمثيل.
لكن في كتاب «إن لم.. فمن!!؟، الأمر يختلف لأنه ينبني على «أنا والآخر» أو «أنا من خلال الآخر ورمزياته المختلفة»، هو اختلاف جعل هذا الكتاب يتمرد على نمطية أساليب كتب السير الذاتية، وهو تمرد تلاحظه منذ الصفحة الأولى للكتاب الذي ينفى من خلالها الفيصل أن يكون «مذكرات شخصية» ولا يقصد به «سيرة ذاتية» ولم يكتبه ليكون «تقارير رسمية»، بل «تجربة إنسانية» «شكلّتها المواقف والأحداث فكرًا.. نازل الأيام عمرًا.. إنها وقفات في مراحل زمنية.. ونظرات تأملية لومضات ذهنية.. طفولة وشبابًا ورجولة ثم كهولة». ص6، تجربة إنسانية صقلتها «هزات الصدمات وثبتت جذورها الغايات» -ص7.
لتجد نفسك كقارئ أمام تجربة إنسانية تجذرت بطقس فلسفات الغربة والأقدار الإلهية والتحدي والإنجاز، فبلّورت أثرًا وتبلّورت تأثيرًا.