د. حسن بن فهد الهويمل
من المفاجآت المؤلمة نبأ وفاة الصديق، والزميل، والأستاذ الدكتور/ مصطفى بكري السيد. لقد كان في أوج كهولته: نشاطاً، ومتابعة، وجدلاً بناءً. خرج من القسم متألقاً، ليعود إليه من الغد. وفيما كنا نرقب العودة، إذ بنبأ الوفاة ينزل علينا كالصاعقة. لم يكن مريضاً، ولكنه الأجل: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}.
الأستاذ الدكتور مصطفى لبناني الجنسية، سعودي الهوى، سلفي العقيدة، متضلّع من التراث، درس (أدب الخوارج) في (الكامل) للمبرد، دراسة منهجية، وهذا كافٍ لتمكينه من متن التراث. وأوغل في المعاصرة.. بل أوغل في الحداثة الفنية، فهو قارئ، متابع للمستجد. سيطرت علينا النظريات، والمناهج والأدوات، وزاد علينا هو بقراءة الإبداعات الحداثية.
لقد حملني مكرهاً على قراءة (محمود درويش) بكل ما هو عليه من غموض، في اللغة، والصور، والأفكار، وكل شطحاته: الشكلية، والدلالية. عاش في المملكة خمسة عقود، في قراها، وبواديها، ومدنها، وأنشأ علاقات ود ومحبة. كان بدوياً مع البادية، وحضرياً مع الحاضرة، قبل الخشونة، واخشوشن.
كان شخصية اجتماعية، ترك في كل موقع عَمِل فيه أثراً حسناً. قارئ نهم، كلما استمعت إليه أحسست أنني أمام قارئ، ومتابع، يضيف إليّ شيئاً جديداً، وينبهني لمستجدات،لم تكن حاضرة عندي. وكم هاتفني، ليلفت نظري لحدث أدبي جديد.لم يكن متعصباً، ولا لجوجاً، يؤمن بالتعددية. والمتابعة غير القراءة، فكم من قارئ اجتراري، يكرر مقروءة، لا يتابع، ولا يأتي بجديد.
لقد أسهم في أنشطة المؤسسات الثقافية في القصيم، وكانت له بصماته، وأثره الحسن. في جلسات القسم حين يتحدث، تأتي أحاديثه مركزة في الصميم. رحم الله أبا محمد رحمة واسعة، وجعل في خلفه من يسد الخلال، لقد كان صديقاً، وكان زميلاً، يملأ الفراغ بكل مفيد جديد.