وردتان ورفيف شاعرة
تتهادى قصائد ديوان الشاعرة السعودية آسية العماري (بشأن وردتين)* إلينا بخطوات رشيقة، ولكن عندما نقترب منها، نجد أنها تحلق بنا بين أكاليل من ورود تعانق صباحات وتهامس الغيم، وتبكي عند المساءات، تلك القصائد التي تتكشف لنا تارة بملامح قصائد تفعيلة وتارة بقصائد نثر وبينها تمر سحب شفيفة من لغة شاهقة، وصور حداثية مشرقة وجميلة.
نعبر بقصائد الديوان فنجدها امتزجت بالعزلة والخيبات والدروب الطويلة والدمع والعتمة والخوف ولكن بين كل ذلك يشرق الحب حب الذات، والأحلام.
تخط لها الشاعرة آسية طريقًا في كتابة القصيدة، طريقًا يشبهها، وتشبهه وكأنها تتبع مقولة الشاعرة غلوريا انزلدو (سامتلك صوتي).
يكشف صوت الشاعرة آسيا العماري فلسفتها الخاصة بها عن الأشياء والعواطف والأحداث والملامح وعن المرأة في كل حالاتها، وكانت بداية الديوان حضور متوهج للشاعرة في قصيدة (والشاعرة)، التي تفسر فيها باعتزاز ودلال علاقة الشاعرة بالحب:
أنا
هي لولا
انشغال عصافيرها بالصخور القديمة
والنثر في مشيها
وللخفر
تأخذنا الشاعرة آسية العماري إلى لوحة طفولة ملونة تتشكل بين حلم ويقظة عبر قصيدتها (بلا فائدة الفرح) حيث تهرب الشاعرة من خلالها إلى عوالم بيضاء، ولكنها في لحظات تواجه حقيقة:
وما زلت أرسم في الحلم
وجه الطفولة
ليمرح عمري قليلاً
ولكن صحوت
مرارًا
بلا فائدة
تنتقل بنا الشاعرة آسية العماري في قصيدة (كدمع جديد) إلى أسئلة بين أم وابنتها، وبينها وبين ذاتها، وفي كل سطر يتكشف لنا جماليات متدفقة تجعلنا نتلهف للوصول لنهاية القصيدة، لنجد هناك أمًا وأطفالها وهنا يتسع بكاؤنا نحن.
نشرت عالمًا من ضباب
فتشت
سألت أمها:
- أين ألقى الصواب
فتشت
خلدت للبكاء
تأخذنا بعد ذلك الشاعرة العماري إلى حب بين قصيدتها (فاحببتك) ولكنه حب ممتليء بالغبار، ممتليء بشوائب منذ البداية وهنا تطل الصور الحسية في شعر الشاعرات الروسيات:
لعقت الغبار معك
واستسغته لأول مرة
لاني بدأت أحبك
وبين ديوانها، ثارت أيضًا الشاعرة آسية العماري على المجتمع الذي لا يؤمن بالحب وحضر أفلاطون وجمهوريته والشعراء في قصيدتها (هنا ألم):
قلت يا أفلاطون
صادر أقلام الشعراء
ولكن لا تزعم أن الحب حرام
وبعد آسية العماري شاعرة تضيء سماء أدبنا السعودي، كما تضيء سماوات زرقاء بعيدة.
* ديوان بشأن وردتين، النادي الأدبي بالرياض، 1431.
** **
- تركية العمري