قد يستطيع بعض العامَّة فهم بعض معاني ألفاظ القرآن الكريم بالاستعانة بمعاني ألفاظ لهجاتهم الدارجة، ومن أمثلة ذلك ما ذكره الشيخ فيصل آل مبارك (ت 1376هـ) -رحمه الله- في كتابه «توفيق الرحمن في دروس القرآن»، إذ يقول: أسمع الكلمة من بعض الأعراب فتزيل عنّي ما أشكل عليَّ من معاني ألفاظ القرآن الكريم، مثل: قول الأعرابيّ: طلعت عليَّ الخيل تتبع الربع تترى، فعرفت معنى قوله تعالى:{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا..} (44) سورة المؤمنون، أي: يتبع بعضهم بعضًا، ويقول أيضًا: إنّ أعرابيّة سمعت رجلًا يقرأ قوله تعالى: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة، فقالت: ويش الصلاة الوسطى؟ قال: صلاة العصر فقالت: على شان وقتها ضيّق(1)، هذان مثالان على الاستعانة باللهجات الحديثة في معرفة بعض معاني القرآن الكريم.
ولكنّ حديثي في هذه المقالة سيكون حول التأثير السلبيّ للهجة الدارجة على صحّة فهم بعض معاني ألفاظ القرآن الكريم، ومن الأمثلة على ذلك فهم بعض العامّة لدلالة الفعل (أهشّ) في الآية الكريمة: {قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} (18) سورة طه، فالفعل المضارع (أهشّ) الوارد في هذه الآية معناه: أضرب الشجر بالعصا؛ ليسقط ورقها على غنمي فتأكله، والهشّ مقارب للهزّ(2)، وفي لهجة القصيم مثلًا يُستعمَل الفعل المضارع (أهشّ) بمعنى أزجر الدوابّ من غنم أو غيرها؛ لذا يفهم كثير من العامّة الذين لم يقفوا على تفسير هذه الآية أنّ المقصود بقوله تعالى: {وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي} أي: أزجر غنمي بالعصا، ولعلّ هذا المعنى الذي يتبادر إلى ذهن العامّة له صلة بقراءة عكرمة (أهسّ) بالسين المهملة التي تعني: أنحى عليها زاجرًا إيّاها، والهسّ هو زجر الغنم(3).
وقد درس هذا التركيب أحمد مختار عمر، فقال عنه: «هشّ الغنم مرفوضة عند بعضهم؛ لشيوع الكلمة على ألسنة العامّة ... وهشّ الغنم فصيحة، جاء في المعاجم: هشّ الشجرة ضربها بالعصا؛ ليتساقط ورقها، وانتقل الفعل من هذه الدلالة لسوق الغنم بالعصا، ومن ثمّ يكون هذا الفعل من فصيح اللغة الشائع على ألسنة العامّة»(4)، وإجازة أحمد مختار عمر لهذا الاستعمال مقبول من حيث إنّه تغيّرٌ دلاليّ في استعمال العامّة لهذا التركيب، وهو معنًى جديدٌ يُضاف إلى المعنى الوارد في المعجمات، ولكنَّ المعنى الذي تورده كتب التفسير، وكتب غريب القرآن للفعل (أهشّ) في الآية باقٍ على حاله دون تغيير.
... ... ...
(1) انظر: آل مبارك؛ فيصل، توفيق الرحمن في دروس القرآن، تحقيق وتعليق: عبد العزيز الزير آل حمد، جـ1، ص57، ص58.
(2) انظر: السجستاني؛ محمّد بن عُزَيز، غريب القرآن المسمّى بنزهة القلوب، عني بتصحيحه: لجنة من أفاضل العلماء، ص16. وانظر: الأصفهانيّ؛ الراغب، مفردات ألفاظ القرآن، تحقيق: صفوان داودي، ص842. وانظر: الدمشقيّ؛ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، تصحيح وتنقيح: محمود الأرناؤوط، جـ3، ص389. وانظر: الزبيديّ؛ محمّد مرتضى، تاج العروس من جواهر القاموس، جـ2، ص461، مادّة (ه/ش/ش). وانظر: مجمع اللغة العربية؛ المعجم الوسيط، ص1027، مادّة (ه/ش/ش).
(3) انظر: الزمخشريّ؛ محمود بن عمر، تفسير الكشّاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، اعتنى به: مكتب التبيان لتحقيق التراث، جـ3، ص58.
(4) عمر؛ أحمد مختار، معجم الصواب اللغويّ دليل المثقّف العربيّ، جـ2، ص779.
** **
- فهد بن عبد الله الخلف