في يوم الجمعة 19 يوليو 2019 بثت قناة «C-SPAN» الأمريكية مباشرة القس باتريك كونروي وهو يمارس طقوسه لطرد الأرواح الشريرة من مقر الكونغرس؛ وتخليصه من «أرواح الظلام» الآتية مع تغريدات ترامب العنصرية ضد عناصر الحزب الديمقراطي المتحدرين من أصول أجنبية. يقول الخبر أيضاً: (واللافت أن صلاة القسيس كانت مكتوبة خصيصاً بطريقة غير حزبية قدر الإمكان بحيث لا يستخلص منها أن هذه الأرواح الشريرة تنتمي لأحد الحزبين اللذين يتقاسمان مقاعد الكونغرس بمجلسيه. وأدان مجلس النواب بغالبيته تصريحات ترامب لأنها «عززت الخوف والكراهية تجاه الأمريكيين الجدد»؛ إذ أيد القرار 240 برلمانياً، وعارضه 187).
هذا المشهد يشير إلى دلالات غير مسبوقة بتاريخ أكبر وأغنى دولة عظمى - حتى الآن - بتاريخ البشرية؛ فلم نسمع يوماً أن قساً قد دُعي لمقر الكونغرس لطرد «الأرواح الشريرة»!.. ولا بد أن يكون هذا القس ورعاً، ومن المشهود لهم بالتقوى، وإلا لما استطاع الوصول إلى مقر الكونغرس! ولا بد من الاعتراف بأن نزاعاً كهذا لا يؤدّي إلى نتائج وخيمة في الولايات المتحدة وحسب، بل ينعكس على العالم أجمع. ولكن لماذا كانت صلاة القديس مكتوبة مسبقاً؟ فرجال الدين - عادة - لا يتلون صلاة مكتوبة، حتى لو كانت صلاتهم لنزع الفتيل بين طرفين متنازعين؟.. ربما لم يتم السماح له بالارتجال بالدعاء؛ لئلا يحدث خطأ ما يكرس النزاع بدلاً من أن يفضه! ولكن تلك الصلاة لم تؤدِّ إلى إيقاف النزاع، بل تطور إلى تهديد ترامب بالعزل، أو على الأقل الأمل بعدم التجديد له لولاية ثانية.
لو تصورنا أن صلاة القديس كونروي لم تكن مكتوبة؛ وقد ناجى ربه بخشوع أكبر لطرد «الأرواح الشريرة»؛ وكان دعاؤه مستجابًا؛ فهل سيتم طرد كل أعضاء مجلس النواب ومجلس الشيوخ وموظفي البيت الأبيض والبنتاغون؟ وهل سيبقى الشعب الأمريكي، الذي يسجل سنوياً أعلى معدل لجرائم القتل في العالم، بدون قيادة؟ وما المقصود بأن تصريحات ترامب عززت الخوف والكراهية تجاه الأمريكيين من أصول أجنبية؟.. ما أعرفه أن كل الأمريكيين هم من أصول أجنبية! وأن ما تبقى من السكان الأصليين بعد حروب الإبادة يقطنون في محمية كما الحيوانات، دون السماح لهم بالانتشار في بلدهم!
لست قادراً على التصور بأن الدولة الكبرى في العالم، التي تسوّق للبشر أنها أكبر الديمقراطيات، بل هي صاحبة الحق «الوحيدة» بتسمية من هو ديمقراطي أو شرعي، ومن هو إرهابي أو غير شرعي، لا تستطيع حل أول نزاع «حقيقي» يظهر للعلن داخل برلمانها!
بيد أنني لو تصوّرت أن رجال دين الديانات السماوية الثلاث، أي شيوخ المسلمين، وقساوسة المسيحيين، وحاخامات اليهود، تجمعوا وصلوا صلاة غير مكتوبة لتخليص شعوب العالم من النظام الرأسمالي وفاسديه، فهل ستعيش البشرية كلها في جنة الله على الأرض؟
** **
- عادل العلي