«الجزيرة الثقافية» - محمد هليل الرويلي:
« .. وذهب والمحاسب ينظر إليه بذهول!», حيثما ذَهَب ذهبْ! سفير الشمال «محمد حلوان الشراري» يفوحُ, من أعالي صعيد «بوابة الوطن» وتنبت على شفاهه القصائد التبرية, وتورق على أطراف أصابعه مسكوكات كروم الزينون المذهبّة.
يومها وفي إحدى كبريات مكتبات الرياض، اشترى مجموعة من الكتب, ثم وقعت عيناه على كتاب لأحد عمالقة الشعراء في الجوف. وقبل أن ينقد المال، تقهقر شاقًا عن صدره «في جوفي, في جوفي سأجد الديوان! وهذا, سأتركه لأهل الرياض, عله ينقل الصورة الحسنة عن تجربة الشعر بمنطقتنا»، هكذا كان رده, على المحاسِب الذي ظن أنه توشّح وتدرّع بمهارته وبراعته التسويقية «آخر نسخة, يالحُسن حظّك! نفدت بنسختك ونفدت منه مستودعاتنا ..».
سجل برأس الصفحة الأولى, أصدر الأديب والباحث والشاعر محمد حلوان الشراري «أدباء الجوف ومثقفوها، من شعراء قبيلة الشرارات خلال أربعة قرون، تراتيل القصيد»، وسجل أن ضيف زاوية عددنا, نشأ في عائلة أدبية, من الجنسين مُحبة للقراءة, إذ المجلات الشعبية والثقافية وجدها أمامه, فشقيقه جايز, زوّده بالصحف والمجلات الشعبية «العربي, النهضة, اليقظة, المختلف, فواصل, الغدير, أصداف..» فيما تزوّده شقيقتاه «نوارة ومنيرة» دواوين الشعر العربي, وكتب التراث, إضافة إلى عدد من الإصدارات العالمية الروائية المترجمة والعربية.
* مكتبتي تظم (2500) عنوان مفتوحة للجميع في القريات
يقول ضيفنا محمد حلوان الشراري: كنت أجد إضافة لدواوين المتنبئ وغيرها من كتب الشعراء والأدب الروايات العربية وروائع الأدب العالمي وخاصة عند شقيقتي نوارة. كنت اقرأ وأتعلم بين إخوتي, فعشنا في جو مفعم بالثقافة, يملؤه الشغف وحب الاطلاع. والآن تغيرت المعادلة, وأصبحت الرافد للأهل والأصدقاء, بما تضمه من عناوين ناهزت «2500» كتاب في شتى المجالات, مفتوحة لكل من أراد أن يثقف نفسه للاطلاع والقراءة فيها.
أول كتاب قرأته «تفسير الأحلام» كان لي معه قصة, إذ بحثت في أحد المواضيع، وجاء من تفاسيره (فمن رأى هذه في المنام فإنه سيحدث له أمر يسره), وبالمصادفة وفي أحد الأيام رأى أحد الزملاء في منامه حُلمًا. بعد أن حدثني عن حُلمه, وكان لا يعلم من أمر الكتاب. قلت له إن تفسيره كذا وكذا.. وحدث له من أمر التفسير! فظن بعض الزملاء أني مفسر للأحلام! وأخذوا يعرضون كل ما يعترضهم في المنام. ما أوقعني في ورطة! وأخبرتهم أن ما حدث لا يتعدى كونه صدفة.
أما أول كتاب اشتريته «أيْ بُنيّ» للدكتور عبدالعزيز الخويطر - رحمه الله - وجدت فيه وصايا الأب لابنه, وحكايا الماضي، وقصصًا وقصائد وألغازًا. فيما استعرت أول كتاب للشاعر «سعيّد بن غيثه» والذي أصبح فيما بعد هدية ثمينة من جارنا «أبو ناجح», إذ كنت أحضر مجلسه وأسرق من الوقت لقراءة الديوان, ولما لم يسعفني الوقت لإتمامه اضطررت لطلب استعارته, وبقي عندي ما يقارب السنة, وعندما هممت إعادته بادرني قائلًا «أنت تقرأ أكثر مما نقرأ, الأفضل أن يبقى لديك».
نصيحة هذا المؤلف كادت تكسرني !
حبي للقراءة والشعر ولّد في نفسي حماسة ونشوة. ولما أحببت أن يكون لي ديوان يحفظ ويوثق قصائدي, جمعت ما يقارب (90) قصيدة. لكن كيف الطريقة للطباعة والنشر؟ وكان المكتبات حينها تعج بالكتب «كيف تؤلف كتاباً، طريقك لتأليف كتاب ..» اقتنيت غالبيتها, غير أني لم أستفد منها. وبعد مدة قررت الذهاب لأصحاب التجارب, وكان أمامي شاعران سبق لهما التأليف فاتصلت على الأول وحذرني أشد تحذير من إصدار الديوان! وقال «إن جميع ما ستنشره ستندم عليه مستقبلاً, وتتمنى لو أنك لم تكتبه» كادت الصدمة أن تكسّر مجاديفي! لولا تشجيع الشاعر الثاني ودفعه لخوض تجربة التأليف. وإذ بادرته بسؤال علق في ذهني, أيندم الشاعر مستقبلاً على شيء كتبه في الماضي؟ ضحك وقال: الفكر يتجدد, والتجربة تنضج, هذا هو فكر الإنسان يتطور ويتجدد ويتسع وتتبدل, وإذا وصلت تلك المرحلة. اعرف أنك تطورت وبرزت.
أقفلت السماعة مُسابقًا الريح, وكان السائد أن بعض الشعراء يعتمدون على من يقدم لهم دواوينهم, مفتاحًا لجذب الجماهير والتعريف بهم, لإبراز أبياتهم، وتسلل لذاكرتي أحد المؤلفين البارزين, فطلبت أن يقدّم ديواني فأعتذر دون مبرر, ودلني على أحد المهتمين بالتاريخ! رفضت الفكرة لأني اخترته ولم أستشره. وكان الإنقاذ من الشاعر سعد المسعودي -رحمه الله- بعد علمه بهذا العزم. اتصل بي مبديًا رغبته كتابة المقدمة لديوان «شاشة أحزاني» 1431, لقد كان ذلك بحق تشجيعًا ودافعًا منه للمضي بي قُدمًا ما تلاه من إصدارات. وكم أفتخر برسالة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حينما كان أميراً على منطقة الرياض - بعد أن أرسلت له نسخة من الديوان. ورسالة من وزير الدولة عضو مجلس الوزراء الدكتور عبدالعزيز الخويطر -رحمه الله, إضافة لعدد من رسائل المثقفين والشعراء قدمت لهم هذا الإهداء العزيز على قلبي الذي حظي بنوع من الاحتفاء والقراءات النقدية, فكتبت الشاعرة العمانية سوسنة إسماعيل «عذوبة المفردة في ديوان شاشة أحزاني»، وكتب الأديب سلمان الأفنس الشراري - رحمه الله - ورقة نقدية عنوانها «دراسة وعرض لديوان شاشة أحزاني». اليوم - بحمد الله- لدي ما يقارب عشر مؤلفات أشهرها «سلمان الأفنس من الجوف إلى الجوف، أدباء الجوف ومثقفوها، من شعراء قبيلة الشرارات خلال أربعة قرون، تراتيل القصيد»، والعديد من المسودات تنتظر المطبعة.
الشيخان «الطنطاوي والجاسر»
قبل وصول ضيفنا الباحث والشاعر «محمد حلوان الشراري» نهاية الحدث حول منعرجات رحلته القرائية وتجربة التأليف والإصدارات. طلبنا منه توجيه توصية للقراءة, يشير فيها إلى بعض الكتب أو لكتاب معين, فقال: هناك الكثير من الكتب تثري ذائقة القراء - أما عني- أجد المتعة, في قراءة كتب العلّامة الشيخ علي الطنطاوي (ذكريات, قصص من الحياة, رجال من التاريخ) وكتاب (من سوانح الذكريات) للعلامة حمد الجاسر, و(مذكرات وريثة العروش) وأجد متعة في قراءة كتب الرحلات.