نوف بنت عبدالله الحسين
حرصت أن أكون أحد شهود ميلاد (المسرح الوطني) كأحد الحضور من الجمهور العريض، في مسرح الملك فهد الثقافي، بالرياض.
هنا وجدت روحي ترفرف من الفرح، أترقب مع الطفلة العنود التي حلمت بالمسرح أحلامنا التي أصبحت تتحقق في هذا العصر، مسكت الفرشاة مع الرسام حمد ولوّنت لوحاته، حضرت العرس في الحارة، غنى لنا الفنان الشعبي سعد جمعة أحلى أغانيه معيداً بذلك زمناً جميلاً، جلست على بساط الريح حين نقلتني بين الرقصات الشعبية وغزارتها وتنوّعها في بلادي، تصفحت اللوحات المسرحية الجميلة، الديكور، الإضاءة، الأغنيات، الرقصات، فتذوقت ذلك بكل حواسي، واستشعرت كل جهد، بل ربما حتى الدموع المخفية، والضحكات السعيدة، بل حتى البروفات التي سبقت العرض!.
المسرح ليست ثقافة جديدة في بلادي، لكنها ثقافة عاشت في سبات طويل جداً، لتخرج من سباتها فتيّة تصنع خطوات مميّزة نحو الصعود إلى القمم، ليكون المسرح الوطني هو حصيلة طويلة من العمل الدؤوب والعمر الذي مضى يمارس المسرح على استحياء، فنشأنا جيلاً لا يعرف المسرح إلا اسماً يفتقر إلى المعنى والمغزى والقيمة الجمالية والفكرية، نعم المسرح ليس حديثاً في بلادي، لكنه مغيّباً، وقد عاد أخيراً بهويّة سعودية، وبلوحات خلّابة، تخبرنا كم هي ثريّة بلادي بالفنون، زاخرة بالألوان، مليئة بالحياة.
صفقنا طويلاً، صفقنا كثيراً، صفقنا لعمر آتٍ مليء بالدهشة، مليء بالفرح، مليء بالألوان، صفّقنا فرحاً وفخراً واعتزازاً، بوطن يعلم قيمة الفن، ويعطيه المكانة والصدارة.
ها أنا في الأربعين من عمري، أعيش مالم أعشه بالعشرين، فوطني يجعلني أصغر، ويعيد لي الدهشة من جديد، فما أحلاها من دهشة، وما أجمل عودة الشعور بالأشياء الجميلة، فالمسرح جاري، وها هو يفتح بابه من جديد، لنعيد علاقة تم هجرها في ما مضى لكننا سنعيد الوصل من جديد، وأعدك بأني لن أغني لك (سلام لله يا هاجرنا، في بحر الشوق وماله قرار، خسارة البيت جوار بيتنا ولا ترعى حقوق الجار) فقد كان ذلك في ما مضى قبل ميلاد المسرح الوطني، أما الآن، فيبدو أن كل أسبوع لي معك ميعاد وزيارة ودهشة جديدة، وحضور من نوع آخر، فما أحلى جيرة المسارح!
نسيت أن أخبركم، قبل أن أخرج من المسرح، صادفت الأنيق عثمان الخزيّم، الذي أكرمني بكتابة اسمي بخطّه الخلّاق، وحوار لم يتجاوز الثواني، يخبرني بأن اللوحات التي شاهدناها في العرض المسرحي، كانت لوحاته
وتلك دهشة أخرى!..
فشكراً وزارة الثقافة على كل هذا، شكراً على المبادرات الرائدة في عالم الثقافة، شكراً لأن الحلم أصبح حقيقة...