أبو عبدالرحمن ابن عقيل الظاهري
قال أبو عبدالرحمن: الشِّعْر النَّبَطيُّ الذي هو شِعر العرب ذوي العامية الخانقة كان هو سبيل تعبيرهم عن أشجانـهم تعبيرًا مؤثرًا أريحيًّا بخلاف التعبير المباشر بالقول من غير (دفلجة) بالغناء؛ فذلك سُنة العرب في جاهليتهم؛ إذ يبدعون قولهم العادي من أريحية شعرهم الغنائي المأثور عنهم. ثم استجد في وسط الطريق ما بين الشعر في الجاهلية، وما بين سبعة أعوام بعد ذلك، وذلك في شعر بني هلال الحقيقي، ثم الأسطوري الذي ولَّده الـفصحاء والعامة معًا خلال شِعر أهل الجاهلية، وشِعر بني هلال، وذلك خلال الأعوام السبعة بعد الشِّعر الجاهلي.
قال أبو عبدالرحمن: لا أمل من تأكيد أن الشعر النبطي (نسبة إلى أنباط السواد شمال البلدان العربية) يرجع إلى الشعر العربي بصفته لهجة جديدة، استحدثها بنو هلال الـقبيلة العربية. وقد اكتسب أصله معنى الشعر العربي الأصيل لأن جذوره معمقة بالعروبة، وتناقلته قبائل البادية حسب ترحالـها، وتوارثته تلك القبائل حتى الآن. ومـما تـجب ملاحظته أن الشعر العربي الفصيح على خلاف الشعر النبطي من ناحية أن الأغلب في الشعر الفصيح أنه غير مرتجل إلا في القليل النادر؛ أي إن صاحب الشعر الفصيح يتروى فيه، ويصوغه في هدوء، وعلى مهل؛ فهي صياغة تخضع للمراجعة والتنقيح. أما الشعر النبطي فهو ينقسم إلى قسمَيْن رئيسيَّيْن، ولكل قِسم شخصيته المستقلة؛ فهو: شعر منظوم، أو شعر مرتـجل. والـجدير بالذكر أن هناك شعراء يرتجلون قصائدهم، سواء بالشعر العربي الفصيح، أو النبطي، إلا أن ارتجال الشاعر قصيدته يكون نابعًا من قوة الشاعر، أو من قوة الحدث الذي جعله يرتجل القصيدة، مع ملاحظة أن تقسيم الشعر النبطي إلى هذين القسمين راجع إلى مواقف تلزم الشاعر بالارتـجال، ويجب أن يكون بها الشعر مرتجلاً. والشعر المنظوم: يسميه بعضهم شعر الديوان، وهو الشعر الذي ينظمه الشاعر متى أراد بعيدًا عن إلزام خارجي، ودون التزام بارتجال. ولهذا الشعر بحور كثيرة، وأوزان، سأتكلم عنها - إن شاء الله تعالى - بالتفصيل فيما بعد. ولقد سُمي عند شعراء النبط شعر الديوان؛ لأنه يُكتب ويُجمع، ولا مجال للارتجال فيه؛ ولـهذا يحق للشاعر فيه التغيير والتنقيح مع إضافة حسب ما يراه مناسبًا. وأما الشعر المرتجل فقد سماه شعراء النبط شعر الميدان؛ وهو شعر (القلْطة) الذي يرتجله الشاعر في الوقت نفسه الذي يغني فيه ما يسمونه (الطاروق)؛ فيتقابل الشاعران، ويبدأ أحدهما ببيت من الشعر على لحن معيَّن، ويغنيه (الشيالة)، أي الـمغنين، مع الشاعر. ويتسنى للشاعر الآخر تأليف الرد بدوره؛ فيجيبه بنفس الوزن والقافية والمعنى. وسُمي أيضًا شعر (الميدان)؛ لأنه وليد لحظته من غير إعداد سابق. وسأتكلم عنه - إن شاء الله تعالى - أيضًا بالتفصيل في موضع آخر.
وأهم مميزات الشعر النبطي العفوية والمباشرة. ولا أعنـي بالعفوية هنا عدم التجويد والاختيار؛ فهذا مخالف طبيعة الفن؛ بل أعني بساطة الأساليب، والقوالب الفنية، وطرائق التعبير التي تصل إلى المراد من أقرب طريق، بلا لف ولا دوران، ولا غموض، ولا إبهام. وأهم أدواته في التأثير إصابة القول، والوصول إلى الغرض في لغة شعرية، وإيقاع شعري بسيط.
وإلى لقاء قريب إن شاء الله تعالى. والله المستعان.