د. خيرية السقاف
من نعم الله على خلقه أن جعل فيمن خلق عقولاً تفكر، وعزائم تسعى، ووهبها علمًا برغبة، وعملاً باجتهاد، ومن ثم مكنها لتنجز، وأفادها بما تنجز عمار الأرض، وسعة العرض، وشمول الإفادة، ونشرها بين الناس..
في معمعة هذا الإنجاز المتنوع، المتدفق، الشامل اقترب الناس بعضهم بالأقصى عنهم، والأدنى منهم، وإن لم يتحركوا من مواقع أقدامهم، وجاء اقترابهم التلاحمي عن الصورة الناطقة بالحركة والصوت لونًا، وتفاصيل، مكانًا وزمانًا..
فمنجَز الناقل الدقيق، المقتحم تفاصيل الأرض باتجاهاتها، وصغائر ما فيها تفصيلاً دقيقًا حيويًا وواقعًا جعل المرء حيث يكون، وعلى أية حالة يكون شاهدًا على ما تنقله الصورة، ومشاهدًا لها، ما مكنه من تكوين رأيه، وتمكين ثقافته، وشحذ معرفته، وتحفيز رأيه ليصبح عضوًا فاعلاً في أحداث العالم..
حيث تيسر له التعرف على عادات الشعوب، وطبائعهم، وسماتهم، ومنجزاتها، بل أحداث يوم أفرادهم..
حتى الأمراض، والأوبئة، والكوارث الطبيعية، وحتى حريق في دار «مشهور»، أو حادث سير لعابر، أو وريقة موسومة بسطور قهر تُركت على مقعد طائرة، أو سراديب مظلمة تحاك داخلها مؤامرة، أو سطو عادات على حيوانات وطيور لطهيها، ومن ثم أكلها، أو هلاك ملوك الغابة من نمور وأسود جوعًا في محبسٍ بشري برغبة الاستمتاع برؤيتها، أو أطفال يقودهم تحت كعوب أسلحتهم إسرائيليون لا رحمة في قلوبهم وقد فجرت دماؤهم أطرافها، أو ...أو..
حتى مروج خضراء تتغنى في أفنانها الطيور الساكنة، والمهاجرة، وشلالات ماء تتدفق عن مرتفعات آهلة ببهجة الزرع..
هذه الصورة، هي العلامة الفارقة في المنجز الحضاري، الذي يتخلق كل يوم بمزية تجعل منها السلاح العصري بالغ الأهمية...
ألم تشاهدوا كيف يقتلون الحيوات ذوات الجلود والفرو الفارهة التي يقتنيها الأثرياء؟!..
ألم تشاهدوا كيف ينزعون عنها جلودها وفروها وهي حية تشعر؟!..
إنهم يمارسون قوتهم، وظلمهم بها وهي حية تدمى وتتألم، وهم لا يشعرون!!..
فبعد هذه الصورة، العظيمة في منجز الإنسان، الناقلة بأمانة، الصادقة في المشهد، والشهادة، التي جعلت الناس شهداء على قسوة الإنسان، وفتكه بغيره من سكان الأرض من حيوان يسبح في البحر، وآخر يمشي على الثرى، أو يطير فوقها أيمكن أن ترتدوا بعد ذلك جلودها، وفروها، وريشها؟..