د.عبدالعزيز عبدالله الأسمري
استغلت إيران الوضع الكارثي الناجم عن غزو الولايات المتحدة الأمريكية للعراق في عام 2003، لتطبيق إستراتيجية شاملة وسعت من خلالها نفوذها في العراق بهدف السيطرة عليه. لقد خلق الغزو فرصة ثمينة لإيران لبناء علاقة متشعبة في العراق زادت من نفوذها، ولعبت الميزة الجيوسياسية الطبيعية لهما، كدولتين ذات أغلبية شيعية، تشتركان في حدود تمتد على مسافة 1450 كم، إضافة إلى علاقاتها التاريخية مع الأحزاب السياسية والميليشيات العراقية المعارضة لصدام، دورًا رئيسًا في نجاح إستراتيجيتها التي اعتمدت على آليات القوة الصلبة والقوة الناعمة. استخدمت إيران القوة الصلبة في العراق من أجل متابعة وتحقيق مصالحها، فمنذ الثورة الإسلامية في عام 1979، دعمت إيران مختلف الميليشيات العراقية بالأسلحة والتدريب والتمويل وقد لعبت لاحقًا قوة القدس التابعة للحرس الثوري الإيراني دورًا أساسيًا في تشكيل (المجلس الأعلى الإسلامي العراقي) والميليشيات التابعة لها، وواصلت قوة القدس توفير التمويل والتدريب المكثفين لهذه الجماعات المسلحة، الذي وصل إلى نحو 20 مليون دولار في السنة. في الجانب الديني المذهبي، استثمرت إيران على نطاق واسع في المرافق السياحية والبنية التحتية للزوار من خلال القطاعين العام والخاص لضمان سيطرتها على المزارين الشيعيين في النجف وكربلاء، مستغلة هذه المواقع كوجهة رئيسة للزوار الدينيين الإيرانيين، بهدف جذب الطائفة الشيعية بأكملها وعلى المدى البعيد إلى دائرة نفوذ الولي الفقيه، وذلك بعد إحلال من يؤمن بعقيدة الولي الفقيه مكان المرجع الديني آية الله السيستاني المعارض لها. وفي الجانب الاقتصادي، طورت إيران علاقتها التجارية مع العراق بشكل كبير بعد ظهور حكومة يسيطر عليها الشيعة في بغداد، التي عملت بنشاط لتطوير هذه العلاقة حتى وصلت في العام الماضي نحو 12 مليار دولار سنويًا، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم في السنوات القادمة رغم التحذيرات الأمريكية للزعماء العراقيين بتقليصها كونها تساعدها في التحايل على حملة «أقصى العقوبات» الأمريكية. وفي الجانب الثقافي والإعلامي، تلعب منظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية - الذي لها أكثر من 100 فرع في العالم الإسلامي- دورًا مهمًا في تصدير الأيديولوجية الثورية الإيرانية، وهي تعمل بشكل مستقل أو بالتعاون مع سفارات وقنصليات إيران كسفارتها في بغداد وقنصلياتها في النجف والبصرة وكربلاء والسليماية وأربيل. وتستخدم طهران وسائل الإعلام الإيرانية الدولية كأداة أخرى لزيادة نفوذها في العالم وفي العراق خاصة، كقناة العالم وقناة الكوثر الموجهة أساسًا نحو العراق، وتعد منظمة «أوج» للثقافة والفنون إحدى أهم أدوات طهران في ممارسة القوة الناعمة بالعراق. وستستمر طهران في استخدام أدوات القوة المختلفة لتأمين أهدافها في العراق، إلا أن الاحتجاجات التي انطلقت مؤخرًا بسبب شيوع الفساد وتردي الأحوال الاقتصادية واعتبار أن «الوصاية الإيرانية» هي من صنع هذا الواقع، إضافة إلى اتساع الهوة بين موقفَي المرجعية العراقية والمرجعية الإيرانية، سيكون لهما تداعيات مهمة على معادلة النفوذ في العراق، خصوصًا بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.