فهد بن جليد
من الأسرار التي تُقدَّم لتدريب المُتحدثين عبر وسائل الإعلام، تعويدهم على عدم الوقوف على نصوص الأسئلة أو الكلمات والعبارات التي تُطرح والانشغال بمُحاولة الإجابة عليها بدقة، بل الانطلاق لقول ما يريدون بكل ثقة، فنسبة 97 بالمائة من الجمهور لا يتذكر غالباً (نص السؤال)، بقدر ما يعنيه (نبرة الإجابة) وتلعثم المُجيب، أو غضبه وانفعاله وتفاعله، فكلما استطعت التحكم بانفعالاتك والتحدث بثقة وطلاقة وهدوء ستكسب الجولة حتى لو لم تُجب على ما يريده السائل تحديداً، وهذا يتضح في المُناظرات بين المُرشحين خصوصاً إذا لم يكن الطرف الآخر شديد الانتباه، ومُلِّح بتكرار السؤال أو فضح المُجيب بأنَّه تهرَّب، وهؤلاء نسبتهم قليلة جداً، ولمُواجهتهم حلول أخرى، فالأهم دائماً هو كيف نقول؟ لا ما نقول؟.
الناس تتأثر وتتفاعل مع نبرة صوتنا، ولغة جسدنا، أكثر من تأثرها وتفاعلها مع النصوص أو الأحاديث والكلمات التي نقولها، لاحظ أنَّ بعض العبارات تُغضبك في مكان أو عندما تُقال لك بطريقة ما استفزازية أو فيها تحد، بينما لا أهمية لها في أماكن أخرى أو إذا قيلت بنبرة وطريقة مُختلفة (بهدوء) ومع ابتسامة مثلاً، من الخطأ الاعتقاد بأنَّ التأثير على الآخرين والدخول في خلاف أو اتفاق معهم هو بسبب ما نقول، أو نتيجة لاختيار بعض الكلمات التي تستغرق عادة وقتاً أطول لصياغتها أو تنميقها أو اختيار مُفرداتها.
علماء اللغة والتأثير يعتقدون أنَّ نسبة تأثير الكلمات على المُتلقي لا تتجاوز الـ7 بالمائة فقط من مجمل نسبة التأثير العام، وأنَّ التأثير المُتبقي تتحكم به نبرة الصوت وحدِّة العين وحركة اليد وتعابير الوجه ..إلخ، وهو ما يوجب الاهتمام وتدريب أنفسنا على الحديث بنبرة صوت مُنخفضة، دافئة، مليئة بالثقة، وأن نُلاحظ لغة جسدنا عند الحديث لدعم الموقف والهدف الذي نطمح لتحقيقه، وهو ما أتمنى أن أجده في منهاج التعليم العام، لوضع مادة اللغة (غير اللفظية)، وتأثيرها في علاقاتنا، ودلالتها ضمن المُقرَّرات التي يتعلمها الطالب بشكل إلزامي، فحتماً ستختفي كثيراً من نقاط ومُسبِّبات الخلاف لصالح التحاور بشكل أفضل، لقول ما تُريد أنت بالطريقة التي تُعجب الجميع من حولك.
وعلى دروب الخير نلتقي.