د.عبدالعزيز الجار الله
الميليشيات التي تؤسسها بعض الدول خارج جيوشها نجحت في حالات وأخفقت في أخرى، وبعض الدول والقوى الكبرى طورتها إلى شركات ومؤسسات أمنية تؤدي دور الحراسات والعلاقات العامة العسكرية والاستخباراتية، وتسويق السلاح خارج دائرة الدول الرسمية عبر عملاء وسماسرة من تجار السلاح، إيران هي أكثر الدول التي تعاملت مع الميليشيات والمنظمات والأحزاب العسكرية بعد محاولتها الفاشلة في احتلال العراق واقتطاع أراضيه الشرقية وشط العرب زمن صدام حسين، فأوجدت عدة أشكال لمجموعاتها العسكرية التي تدعي أنها ليست ضمن نظامها العسكري: الحرس الثوري تحت غطاء حماية ثورة الملالي، فيلق القدس وغيره، حزب الله في لبنان وفِي كل دولة تتوغل بها، الحشد الشعبي في العراق، الإحلال والتهجير في سورية، والجماعات المذهبية في اليمن، وبعد (40) سنة من التخطيط والتنظيم فشلت إيران في تصدير الثورة ونشر الميليشيات في دول العالم، وارتدت كل هذه المشروعات سلباً عليها وأصبحت تهدد إيران نفسها في تفكيك أقاليمها وخطر التقسيم.
تركيا التي كانت الوديع الناعم في سلوكها من أجل الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لتكون دولة أوروبية وتنفصل عن الشرق وتاريخها العثماني وموقع بعض أراضيها في غرب آسيا، عندما رفضتها أوروبا وهي التي توسلت إليهم سنوات طويلة للانضمام، ونتيجة للرفض وعدم القبول بها، اتجهت تركيا بلا تحفظ ولا قيود بعد ربيع العرب عام 2010م إلى الشرق وبقوة ترفع شعار الدولة العثمانية، والدولة القوية في شرق المتوسط، وبوابة أوروبا الجنوبية.
تركيا تعجبها فكرة إيران الحشود الشعبية، والذئاب المنفردة، وعسكرة أحزاب خارج جيشها، ومرتزقة الشركات الأمنية، ومؤسسات العلاقات العامة الأمنية، وترها لعبة تجيدها مع بقاء عينها على تجربة إيران الفاشلة، لكن تركيا تريد أن تخيف وتهدد العرب بالشرق والجنوب، وأوروبا في الغرب، يضاف لها ورقة اللاجئين السوريين والعراقيين من الأرض العربية، والمهاجرين غير النظاميين من إفريقيا، ومن وسط وجنوب آسيا عبر القوقاز إلى أوروبا، لكنها تجربة محفوفة بالخطر والفشل في حربها في سورية وليبيا.
تركيا عينها على تجربة إيران وهي تدعم جماعات ومرتزقة ومحاربين بالأجر والمال في سورية وليبيا، لكنها تجربة قاسية قد ترتد على تركيا سريعاً بالفشل، أو إلى ما وصلت إليه إيران من حصار شامل أوصلها إلى الانهيار الاقتصادي والمظاهرات المستمرة في الداخل، ومخاوف التفكك السياسي والجغرافي.