في الموت لا نقول إلا حمدا لله وشكرا على ما قدر علينا، فالموت حق ولا منه مهرب، لكننا على فراق من اختارهم الموت نتألم، ورغم الصبر إلا أن الألم يكون أكثر إيلاماً حين نفقد إنساناً صنع له في قلوب محبيه مكانة خاصة بمواقفه وخصاله النادرة، كان بالأمس معنا واليوم رغم الموت والرحيل ما زال بيننا، العم عبد الله الفهد العجلان رحمه الله فقيدنا الذي نبكيه اليوم، كان رجلاً استثنائياً في أخلاقه وسمو مواقفه، إنسان تتحدث أخباره وأفعاله عنه أكثر من أقواله عن حاله، وإذا تحدث لسانه فإن حديثه حكم تروى.
لا أذكر طيلة حياتي وبكثرة ما كنا نلتقيه ونجتمع به، أنه أخطأ في حق أحد، بل نكبر فيه تنازله عمن اخطأوا في حقه، أينما حل فقيدنا رحمه الله تحل البركة معه، وهذا أمر شهد له به كل من عرفه، لم يكن يترك شيئاً من أعمال الخير في دنياه إلا وسعى فيها، لا يقصد إلا أجرا وثوابا في الآخرة، رزقه الله بابنتين معاقتين فأعطاهما كل وقته وماله وجهده وابتساماته رضا بما قدر الله عليه سبحانه وتعالى، صبر وتجلد فيهما مجتهدا حتى توفيتا رحمهما الله.
كان ملهماً مثالاً يحتذى في التعامل مع ابنتيه المعاقتين، كان ذلك في وقت لم يكن الوعي كما هو اليوم في شؤون تربية ذوي الاحتياجات الخاصة وذوي الإعاقة.
كان رحمه الله مدرسة في التربية لكل أولاده، زرع فيهم الثقة بالنفس، وابتدع من الأساليب والطرق مما لم يتوصل إليها علماء التربية المختصون في حينه.
في مسيرته التي مضت نحو ابتلاء محبة جديد من الله ألا وهو المرض الذي أصابه، فعايشه محتسباً الأجر بالصبر عند الله رغم كل المعاناة، وعلى حرصه بألا يشعر أهله بحجم الألم والتعب كانت دائماً تقاسيم وجهه تشع نوراً وابتسامات وتشعرك أن هذا المريض في رحلة استجمام، حتى من يزوره من الأهل والأصحاب والأقارب، كان دائماً يكتم الألم ولا يُري أحداً من زواره إلا بهجة وسروراً وغبطة.
تواضعه رحمه الله تواضع العلماء رغم مكانته الكبيرة التي وصل إليها بين جماعته وجيرانه ومجتمعه، فكل من كان في محيطهم وضعوه في القمة لما لمسوا ووجدوا فيه من صدق وأمانة وحكمة وخبرة وتضحية وحب في خدمة الآخرين، أحب الناس فأحبوه، رزقه الله صبراً وجلداً على خدمة الآخرين وعمل الخير، فزاد الله عليه في قلوب الناس رزقاً فوق رزق ألا وهو محبة الناس له وتقديرهم.
ترك رحمه الله وراءه كل سيرة عطرة، وذكرى طيبة، واستحق الوصف الأجمل في رحيل البشر، رحلت الأجساد ولكن الذكرى تخلد إلى الأبد، وذلك بما يحضرني من قول الشاعر العربي:
* * *
بعض الرجال على التراب مماتهم
يمشون موتى والازقة موئلا
* * *
والبعض لا يموت وان غفا
تحت التراب يصير ذكره اطولا
* * *
كان قلبه رحمه الله متعلقاً بالمسجد مكاناً وروحانية جميلة في حله وترحاله، لهذا أقولها معلناً بكل صدق إن كان هنالك من وسام للخصال الحميدة يرثى به الميت بعد رحيله، فهو بكل جدارة مستحق لهذا الراحل الباقي فينا وبيننا ذكريات ومواقف وقصص وعبر.
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح جناته وجمعه بالأنبياء والصديقين والصالحين، وكل العزاء لأبنائه الأفاضل وبناته الكريمات وكل الأسرة وأنسابه ومحبيه ولنا جميعاً، فنحن أهله ونحن اليوم على فراقه لمحزنون.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
** **
- بقلم/ عبدالعزيز بن محمد العجلان