حسن اليمني
تبدأ المعرفة بالشك الباعث على التفكير والبحث عن الحقيقة مثلما يبدأ أي اكتشاف علمي بالتخيّل ثم منطقة هذا التخيّل ليصبح نظرية علمية تدعمها أو تبطلها التجربة التطبيقية، بمعنى أن الشك والتخيّل هو الأصل في اكتشاف الحقيقة، بهذا المنطق أجد أن إنكار المؤامرة والتآمر هو نسف للمنطق وتسفيه للعقل فلا شيء يوجد من لا شيء.
المؤامرة ظهرت مع ظهور آدم عليه الصلاة والسلام حين تآمر إبليس على آدم وحواء لمعصية الخالق سبحانه وتعالى فأغواهما وكان العقاب الإلهي إنزالهما إلى الأرض بعضهم لبعض عدو، ومن آدم وحواء تناسلت البشرية وانتشرت على الأرض وصاحب ذلك توعد وتعهد من إبليس على ابتلاء وامتحان الإنسان إلى يوم الميعاد، إذا، أُنزِل الإنسان من طهارة السموات إلى الأرض بصحبة الشيطان متمثلاً في ابليس الذي انحازت له النفوس الإمارة بالسوء ليزعزع النفوس اللاهية، بخلاصة القول نشأ النزاع بين الخير والشر وبين الحق والباطل منذ وطأة قدم الإنسان سطح الأرض، والتآمر في النزاع والصراع حقيقة منطقية إنكارها لا ينفى حقيقتها ومنطقها.
لم يكن أحد من البشر ينكر وجود المؤامرة حتى تشيّطن في العصر الحديث متلازمة «استوكهولم» تلك التي جعلت ذل الهزيمة يستعبد العقل ويروضه ليصبح عبد القوة المنتصرة فينساق المهزوم تبع المنتصر وهو ما أصبح اليوم واضحًا وظاهرًا نراه رؤي العين ونتعايش معه، اما وقد علا صوته وأصبح ذا قوة فكان لا بد من إسقاط نظرية المؤامرة للتخلص من مظاهر الهزيمة والعبودية للقوة لتصبح هي المنطقية والواقعية لتنسف حقيقة وجود الصراع بين الخير والشر، من ينكرون المؤامرة ينكرون أيضًا التاريخ ويصلون إلى حد إنكار صراع الحضارات، يساعدهم في ذلك حقيقة وجود القوة الظاهرة والمهيمنة والمسيطرة على العالم كله عسكريًا واقتصاديًا وثقافيًا وإعلاميًا وفي كل مجالات الحياة الذي يشمل أغلبية سكان الأرض حتى صار الحق غريبًا والصواب وجهة نظر والتسليم تحضر والرفض مدعاة للسخرية، بل تحولت القيمة من المخبر إلى المظهر ولكثير الكثير الذي يجعل العاقل حيران، فليس هناك أصعب من أن تجد نفسك بين منطق لا يتغير أو يتقلّب بحكم طبيعة الأشياء وبين واقع تصنعه القوة بمنطق «أنا الحقيقة».
إنكار المؤامرة هو إنكار للصراع بين الحق والباطل، والمنطق والحقيقة لا تستبين إلا بوجود ما هو عكسها مثل اختلاف الليل عن النهار لإكمال صورة اليوم الواحد، وبالتالي فوجود المؤامرة منطقي وطبيعي لكن التسليم بقهرها أو إنكارها مرض في كلتا الحالتين وإنما لا بد من الشك للوصول إلى الحقيقة، لا ننكر حقيقة وجود المؤامرة ولكن لا نسلم بتبعاتها عجز وقلّة حيلة، فليس صدفة أن يتفق الغرب والشرق على منطقتنا مستخدمين الدين والمذهبية والعرقية والقومية لنسلخ بعضنا بعضًا بأسلحتهم التي نشتريها بأموال نصبها في خزائنهم ونحيي مصانعهم ونعيل بطالتهم ونرفه شعوبهم عوضًا عن استثمارها في الداخل لرفع الجهل والتخلف واللحاق بالأمم المتقدمة في رفاهية شعوبها وبسط العدل والحرية والمساواة، ليس صدفة أن يصبح بعضنا لبعض عدو، لم يأت هذا من فراغ أو من لا شيء، فما نحن أقل في حجم المخ ولا أصغر جمجمة ولا أقل بصر ولا أضعف قوة في البدن ولا أقل محبة لبعضنا ولا نخلو من الطموح والرغبة في الحياة المترفة السعيدة ولكن علينا أن نؤمن أننا في صراع حضاري، أن الإيمان بوجود صراع حضاري كفيل بأن يُظْهِر ويُكْشِف لنا حضارتنا وقيمتها وأدوات قوتها وحينها سيسهل علينا قراءة نقاط ضعفنا ومنافذ وثغور هذا الضعف الذي تتسرب وتتسلل من خلاله المؤامرات بدل من إنكارها، نحن أيضًا لدينا عقول شيطانية قادرة على رسم وتخطيط المؤامرات والحِيَل لكن ليس منها أبدًا تزكيتهم وتطهيرهم من وساوس الشيطان طلب للسلامة.