د. خيرية السقاف
يفرح, ربما يقفز, ربما يُقبل على مَن حوله، يقبل الصغير, والكبير, ربما يمسح على صدره بباطن كفَّيْه امتنانًا..
وربما حين تأخذه قدماه لحيث يتقلد منصبه الجديد يكون قد اعتمر «عقاله» و»شماغه» بعد أن أتقن طي مقدمته, ورسم الأبهة على جبينه, ووسع بين كتفيه, وشمخ بعنقه, ودك الأرض بحذائه الصقيل..
ربما جعل سائقه يسرع لفتح باب العربة له, أو يوقف ببطء العربة في انتظار من يسرع لفتح بابها وخلفه ثلة من المرحبين في استقباله, وحوله البخور حتى يصل لمكتبه..
وهناك يقتعد راسلاً زفرة طويلة لكنها منعمة بالفرح, يمسح بكفه على سطح مكتبه الزجاجي اللامع, ويجيل عينيه فيما حوله؛ فهذه الفخامة لي, لي وحدي..
وما يلبث أن تتوافد عليه مواعيد التهنئة, ومراسلاتها, واتصالاتها الهاتفية, وشخوصها, وباقاتها, ومواعيد مآدب الاحتفاء بها..
ومن بعد حين تنتهي فرق الطبول بأصواتها, وإيقاعاتها المختلفة، يكون إلى ذاته ومسؤوليته وجهًا لوجه, حينها لا مكان لعبق البخور, ولا لأصداء التهنئة, ولا لرسم المظهر, ولا للمعة المقعد, والمكتب, وحفاوة المستقبلين..
يكون وحده الذي فوق كتفيه أمانة, وتحت ناظريه مسؤولية, وعند سنة قلمه توقيع ثقيلة مغباته, وطريق خطواته منمقة بالتحديات, موشومة بالمحاذير, آهلة بالأسئلة, والأحكام..
فلا عطره الفواح, ولا حذاؤه المصقول, ولا ثوبه المنشَّى, ولا عنقه النائف, ولا ما يتقدم اسمه من قلائد المنصب, ولا تلك البهجة العارمة بإمكانها أن تنقذه من مغباتها, حين تنعرج به الطريق وهو في نشوة سادرة دائمة بمنصبه..
وهي حالة مماثلة حين تكون امرأة من يتسند إليها منصب, باختلاف المظهر الخارجي بينهما.
إن المنصب أمانة عظيمة, والتكليف بتفاصيله محاور لإجراءات لا تُعنى بكل تلك البهجة وآثارها, وبذلك الظاهر وملامحه؛ إنه مخبر عميق, سراديبه موغلة، لا يملك مفاتيحها إلا مَن أدرك صعوبة أن يكون الشخص مسؤولاً في المحك، رجلاً, أو امرأة..
فالمنصب محك, وحين يوضع المرء بين حديه فإن عليه أول ما يُعنى به هو التفكير في كيفية أدائه, والقيام بأمانته, قبل تلك التفاصيل الصغيرة التي سبقت وهو في طريقه معطرًا, منتشيًا, منتظرًا مقعده الوثير, «ويافطته» العريضة, والمحتفين المتحلقين!!..