رجاء العتيبي
عندما تقدم نفسك على أنك (فنان): مسرح، تشكيل، تصوير، سينما، موسيقى، غناء... إلخ. ماذا يعني هذا؟ ماذا يعني أن تقول عن نفسك (فنانا)؟ ما حجم المسؤولية التي تتحملها أو تحملها؟ هذه الأسئلة نطرحها في بداية هذا المقال، لنقول: إن الفنان -أي فنان- يحمل مسؤولية مجتمعية لها علاقة مباشرة بـ(الإنجاز= العمل= المنتج) وبدون استشعار المسؤولية الاجتماعية لا يكون فنانا حتى لو أنجز الكثير.
إذا استشعر الفنان المسؤولية الاجتماعية بكل أبعادها، وأن عليه أن يكون مؤثرا في تعزيز/ تأسيس: قيم الجمال والحب والسلام، يكون فنانا معترفا به اجتماعيا، وإذا اعترف بك الآخرون بصورة تلقائية - غير موجهة - تأتيه الشهرة والمكانة والتكريم إلى حد موقعه من دون أن يطلبها أو يدفع لها أو يتسولها.
الفنان الذي يشعر بمسؤولياته الاجتماعية والمخلص لفنه يقدم منتجه للآخرين وليس شخصه، الفنان لا يقدم شخصه ولا تاريخه ولا علاقاته، الفنان يقدم منتجا يلبي حاجة اجتماعية ويفتح آفاقا للتفكير ويحسن من مستوى الحياة ويجعلها تبدو أكثرا جمالا، يمكث أطول فترة ممكنة مع نفسه ليخرج لجمهوره قطعة منه على شكل: لحن، أو عرض مسرحي، أو لوحة تشكيلية أو مقطوعة موسيقية، أو رقصة مبهجة، أو أداء تمثيلي مؤثر...
ليس بالضرورة أن يكون الفنان كثير الكلام والنقد والجدل، وليس بالضرورة أن يفهم في السياسة والاقتصاد وعلوم الفضاء، وليس بالضرورة أن يكون له وجهة نظر في كل شيء، والأهم من ذلك ليس من الأخلاق أن ينتقد منتج زملائه الفنانين أو ينتقدهم شخصيا وينتقص من منتجهم الفني في كل محفل وكل مناسبة وكل مجلس وكل لقاء.
الفنان الذي يستشعر مسؤوليته بوصفه فنانا، لا يتشكى ولا يتذمر ولا يتباكى، يعمل من أجل فنه ويعيش عالمه لا يبحث عن جائزة ولا عن منصب ولا تكريم ولا راتب، لأن التقدير يأتي لاحقا إذا كان صادقا مع فنه، وأثبت للآخرين أنه فنانا وليس متسلقا.
إذا كان من يطلق على نفسه فنانا يبحث عن (الفلوس) فعليه أن يشتغل في التجارة، فهي أقصر طريق لما يبحث عنه، التجارة تدر عليه المال الكافي. أما أن تكون فنانا وتبحث عن الفلوس فهذا شيء لا تقدمه الحياة بهذا الشكل.
المستثمر يعقد مع الفنان صفقة باعتباره (فرصة استثمارية)، الفنان ينتج والمستثمر يسوق ويبيع، الفنان يعمل وينتج والقائد الإداري يبني له بيئة عمل محفزة، الفنان يعمل وينتج والتحفيز يأتي من الكيان المعني بالفن.
ليس من مهمة الفنان إصلاح الظروف الصعبة، وليس من مهمته تحين الفرص والدخول في صراعات جانبية، وخطف اللقمة، الفنان أسمى من أن يدخل في معارك أو يطلق صرخات مدوية، عليه أن يتسم بالأخلاق، فكلما ارتقى الفنان في عالم الفن ارتقت أخلاقه وصار ملء السمع والبصر.