د. حسن بن فهد الهويمل
هناك صراع مشروع، وآخر مَفْروض، تُدفعُ إليه الدول المحبة للسلام، وغير المحبة؛ لتكون طريدة هزيلة.
لا أحد يمتلك اختيار نوع المشاركة، ولا(زمنكانها)، ولا الحياد. يُجَنَّد العملاءُ المرتزقة؛ ليضعوك أمام الأمر الواقع. دخول الاضطرار يستنزف قدراتك، ويلهيك عن بناء نفسك. والحياد قد يجعلك لقمة سائغة؛ لأنه يقوِّي شوكة الأجنحة المتربصة، أو المجنَّدة. الصراع لترتيب الأوضاع، والغياب أشَدُّ تنكيلاً.
إنها الفتن:- {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً}.
لقد دُفِعت دول محبة، وغير محبة للسلام، إلى بؤر التوتر، في محاولة بائسة لاستنزاف جهودها، وأموالها، وأوقاتها، وخلق عداوات، هي في غنى عنها:- (مُكْرهٌ أخاك لا بطل).
صراع الحياة: حياة، أو موت، والكل يأتي زمانه على ما هو عليه:-
(أَتَى الزَّمَانَ بنوه فِي شَبِيبته فَسرَّهم...)
العقلاء المجربون يجنحون للسلام، ما وسعهم ذلك، ويمارسون الدفع بالتي هي أحسن، ويستخدمون راجمات الدرهم، والدينار، لتجاوز المنعطفات الخطيرة، ولكن صنّاع اللعب القذرة، لا يهيئون لهم ذلك.
إن هناك دولاً دَخْلها القومي من السلاح، وتَبَعِيَّتُها لدول الاستكبار تفرض عليهم تهيئة الأجواء، بافتعال حروب مجانية، تُصَرَّف فيها الأسلحة، وتُستنزف الأموال، وتُشْغَل الدول عن بناء نفسها، وإسعاد شعوبها.
إنها اللعب التي تفرِّق، ولا تجمع. وتُشْقي، ولا تُسْعد. وتهدم، ولا تبني. وإذ يكون الصراع في بعض الأحيان خياراً وحيداً، فإن أهون الضررين ألا تكون وسطه رقماً رئيساً، وألا يكون الصراع هدفاً رئيساً، وأن تجعل الصراع خارج أرضك، وأن تقي إنسانك ويلات الذل، والمهانة.
أغبياء قبلوا أن يكون الصراع على أرضهم، وبواسطة إنسانهم، بحيث أتاحوا للمغلِّين الحاقدين إهلاك الحرث، والنسل.
ما يسمى(الربيع العربي) تكشَّف عن (خرائط طريق) موجعة، أريد لأمتنا العربية أن نظل في قعر الذل، والهوان، خالية الوفاض من الأمن، والاستقرار، والوفاق.
لقد تعاقب على سدة الحكم فيها حكام عسكريون، أخافوا المستعمر، وأوقعوا الرعب في قلبه، وحملوه على تدمير المثمنات، وزرع الخلافات، وتنويع المكونات السكانية، وتمكين الأقلية من رقاب الأكثرية.
طُرِحت القومية، والاشتراكية، والبعثية، والطائفية، والقطرية، والأممية، وسائر (الأيديولوجيات)، وارتفع صوت الإعلام بالتهديد، والوعيد، فكان أن دُبِّر لأولئك ما يخرس ألسنتهم. لقد تهافتوا على الطُّعم، ووقعوا في الفخاخ.
دبرت حروب الخليج، واحتلال الكويت، وصراع الأحزاب، والمذاهب، والطائفيات، ومزقت الكلمة، وزرع الخوف بين الدول العربية، حتى إذا احتدمت المشاعر، وساءت الظنون، دعمت الأطراف بالسلاح، والتأييد، وأججت المشاعر، فكانت الفتن كقطع الليل المظلم، حتى آلت أمور الأمة إلى ما هي عليه الآن من ضعف، وتفكك، وقتل، وتشريد، وتخريب؛ الأمر الذي حمل الشعوب على تمني عودة الحكومات العسكرية (الدكتاتورية).
لقد بكوا بحرقة على زعماء أبكوهم، وأصبح اللاعب الأكبر في وضع مريح، يدير الحروب، والصراعات، ويزرع الضغائن، والعداوات، ويذكي الخلافات، إلى درجة يستحيل معها العودة إلى المربعات الأولى.
الإعلام العربي الخادع المخدوع يسهم في صناعة الأوضاع المناسبة للاستعمار الجديد، استعمار التدمير، والتفريق.
يظن البعض أن بالإمكان اعتزال الفتن، وأن عدم الدخول فيها خيار ممكن. والحق أن الجميع يساقون إلى الموت، وهم ينظرون.
إنها فتن يصنعها مَن صنعوا مؤسسات حقوق الإنسان، ونادوا بالحرية، والعدالة، والمساواة.. لإيهام السُّذج بحسن نواياهم، وسلامة مقاصدهم.
وما هم في الحقيقة إلا صنّاع الشر.