د. حامد بن مالح الشمري
أصبحت الكثير من التنظيمات المتطرفة والعدائية تدار من قبل قوى خارجية أو دول معادية وفق أجندة لقضايا سياسية أو مذهبية أو قومية في ظاهرها وباطنها التوسع والنفوذ وإشعال الفتنة والدمار والهيمنة وزرع بذور القلاقل، هناك العديد من التنظيمات الإرهابية والعدائية في العراق وسوريا ولبنان وفي دول أخرى لديها إمكانات كبيرة ودعم مالي ولوجيستي واستخباراتي متعدد الأغراض من دول إقليمية ودولية، مكنها من التمدد والتغلغل والتدخل في شؤون الدول، وبدعم من لوبيات في مواقع مهمة مثل الجامعات ومراكز الإعلام والبحوث وبعض النخب السياسية في دول ذات نفوذ سياسي واقتصادي في أوروبا وأمريكا لمصلحة تلك المنظمات الموالية لحكومات معادية ويأتي في مقدمتها النظام الإيراني.
لقد تم استغلال مثل هذه التنظيمات المتطرفة من قبل بعض الدول وروجت على أسلمتها وإلصاقها بالعرق العربي وتناست أن الإرهاب والتطرف لا دين ولا عرق ولا وطن له، وأن الدين الإسلامي هو من جرم ذلك بكافة صوره وأشكاله. كما أن العرب والمسلمين هم الأكثر تضررًا من عمليات الإرهاب راح ضحيتها آلاف الأبرياء. إن معظم مرتكبي جرائم العنف والإرهاب التي وقعت في أنحاء من العالم هم من غير المسلمين، ومع ذلك لا يتعاطى الإعلام الغربي أو المعادي مع هذه الجرائم إلا بمساحة ضيقة وبتبرير يقلل من شأن الجريمة ومرتكبها وفي نفس الوقت لا يعمل الإعلام العربي والخليجي على التحدث بإسهاب عن تلك الجرائم الإرهابية ومن يقف خلفها، بما في ذلك التنظيمات المتطرفة المدعومة من إيران وغيرها من أجل تمدد نفوذها بالمنطقة.
إن الدول المتقدمة اقتصاديًا وتعليميًا وصناعيًا واجتماعيًا، تضع الأمن والتنمية في أولويات اهتماماتها. وتسخر لهما كافة الإمكانات المالية والبشرية والتقنية؛ فلا طعم للحياة ولا وجود للتنمية والرخاء والاستقرار، من دون توفر الأمن على النفس والفكر والعرض والممتلكات؛ لأن انعدام الأمن وانتشار الفوضى واتساع رقعته، له من السلبيات والعواقب والمآسي المدمرة على الفرد والمجتمع.
فالأمن مطلب وطني إستراتيجي لا يمكن تجاوزه أو التنازل عنه، وهو مسؤولية الجميع؛ صغارًا وكبارًا، ذكورًا وإناثًا. وهو متطلب أساسي لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة، وازدهار الوطن وتقدمه في كافة المجالات، وحصول أفراده على حقوقهم واحتياجاتهم من صحة وتعليم وخدمات وفرص عمل وتجارة وصناعة وغيرها. وعكس ذلك ما تفعله الحروب والأعمال الإرهابية، وما ينتج عنها، من انفلات أمنى، وأنشطة إجرامية خطيرة، وقتل للأبرياء، وتوقف عجلة الاقتصاد والتنمية. إن بلاد الحرمين الشريفين بقيادتها الحكيمة تفتخر بشعبها الوفي الأمين المدرك لعواقب الأمور، القادر على التصدي لأهداف التنظيمات المتطرفة وأفكارها التي تسعى إلى إيجاد الفرقة والشقاق، بين أفراد مجتمعنا، الذي عودنا على وحدة الصف والحكمة والانتماء، والحوار الهادف البناء، وإشاعة ثقافة الأمن المجتمعي، والتسامح والتعاون على الخير وقفل أبواب الشر، وهو أساس الاستقرار، الذي لا يستطيع أي مجتمع أن ينمو ويزدهر في كافة المجالات دونه. والمجتمع الأمن المتماسك والمكمل بعضه بعضًا على مستوى الأفراد والمؤسسات الحكومية والخاصة، لا أحد - كائنًا من كان - يستطيع أن يخترقه، بل سيحترق قبل أن يقترب من تلك الصفوف المتراصة المتآلفة والمتحابة.
إن الأمن هو مسؤولية الجميع، والجميع مطالبون بحمايته وصيانته فكريًا وتربويًا واجتماعيًا، واتخاذ كافة التدابير الوقائية والاحترازية، للحفاظ على أمن بلادنا، واستقرارها ومكاسبها وكل مصالحها، وكما يقال: لا أمن من دون تنمية ولا تنمية من دون أمن؛ ولذا فإن الأمن الوطني واجب وطني على كل مواطن ومواطنة، وهذا يتطلب من الجهات ذات العلاقة تعزيزه وتكريسه من خلال تضافر الجهود من الجميع لاستتباب الأمن بكل إخلاص وجد كونه أساس الخير والعيش والازدهار. يدرك الجميع أن الحياة لا تستقيم إلا بوجود الأمن والاستقرار، وبالتالي نحتاج إلى شراكة وممارسة فعلية، حتى يصير المواطن شريكًا أساسيًا في منظومة أمن الوطن، من خلال برامج ومشروعات تنموية وفكرية واقتصادية وأمنية.
إن قيم الأمن والاستقرار والرخاء، الذي نعيشه ونستظل بظلاله في كافة شؤون ومرافق الحياة، يجعلنا جميعًا شركاء ومسؤولين عن حمايته والدفاع عنه والمحافظة على هذه النعم العظيمة لديمومتها وفي مقدمتها العمل بتعاليم شريعتنا الإسلامية، والحرص على تعزيز ما تعيشه بلادنا، من وحدة وتكاتف ومكتسبات، والوقوف صفًا واحدًا، في وجه دعاة الشر والفتنة والفرقة والتشرذم، والارتقاء بمبدأ المواطنة الحقة تطبيقًا وممارسة، في كافة الجوانب والمجالات، والحرص على تجفيف منابع الفكر المتطرف وأسبابه، ومعاقبة كل من يساند تلك الأعمال الإرهابية، دولاً وأفرادًا وتنظيمات، والعمل على دراسة وتصنيف أسباب الإرهاب، والظروف والمناخات التي ينمو ويعمل بها، حتى يصبح لدينا معالجات وحلول إستراتيجية بعيدة المدى، والجميع يدرك ويقدر الجهود والإجراءات الاحترازية والوقائية، التي تقوم بها أجهزتنا الأمنية وبمتابعة دقيقة من صاحب السمو الملكي وزير الداخلية -حفظه الله-، التي حققت - ولله الحمد - الكثير من النجاحات والإنجازات النوعية، ولكن يبقى إسهام جميع المواطنين والمقيمين كل حسب موقعه في التصدي لكل فكر أو عمل يسعى إلى الأضرار بأمن مجتمعنا، معززًا بوعي وطني شامل ينطلق من مقاصد الشريعة الإسلامية والمرتكزات الوطنية والمجتمعية والاقتصادية.