عمر إبراهيم الرشيد
عندما أتم الله تعالى رسالة نبيه - صلى الله عليه وسلم - الذي لم يغادر أمته ودنياه حتى أبان الشرع وأحكامه، سواء العبادات أو الحقوق أو الأخلاق، وما يتفرع عن كل ذلك، بيّن عن طريق القصص القرآنية والحديث أن النفوس ليست سواء؛ فهناك النفس المطمئنة، واللوامة، والأمّارة بالسوء؛ ولذلك تتفاوت الأنفس في درجات الإيمان والسلوك وطرق التفكير والأخلاق بشكل عام.
ومن أبرز ما يكشف النفس وطبيعتها وأخلاقها مسألة التعدد في الزوجات، وهو أبرز ما يتنازع فيه الرجال والنساء في المجتمع الإسلامي منذ العهد النبوي إلى اليوم. الأسباب عديدة، وهذه مسألة عميقة؛ لن يحيط بها مقال، إنما وددتُ أن أشرككم في مسألة، تشتكي منها الآلاف المؤلفة من الأُسر التي أهملها أو أساء إليها عائلها بسبب سوء تدبيره ورعونته، أو عدم قدرته أصلاً على التعدُّد من الناحية الاجتماعية والنفسية عدا عن المادية؛ فأقحم نفسه وعائلته في أتون اضطرابات اجتماعية ومعيشية، كان في غنى عنها لو عرف وخطط لما هو مُقدم عليه.
إحدى القارئات الكريمات أرسلت إليّ تسترجع ذكريات مريرة، تقول إن والدها قرّر الزواج من امرأة أخرى وأمها طريحة الفراش من المرض، فلم يحسن التوقيت، ولم يراعِ الناحية النفسية لأم أبنائه الأولى؛ وهو ما زاد من معاناتها واشتداد مرضها؛ فلم تلبث أن ماتت بعد فترة -رحمها الله-. لقد أقدم على أمر مباح ومشروع، ولا يجادل في هذا مسلم يؤمن بكتاب الله وسُنة رسوله الكريم، إنما الخلل في طريقة وأسلوب التطبيق؛ وهو ما جعل الكثيرين يحكمون على التعدد بأنه (جريمة) أو (خيانة عشرة)، أو غير ذلك مما أجج له الإعلام والسينما بكل أسف.
هناك نماذج لأزواج معددين، وإن كانوا قلة، ضربوا المثل في حسن التدبير، والتعامل بالعدل، ومراعاة الله في الأسرتَين أو الثلاث أو الأربع؛ فلم يظلموا الأولى بإهمالها ونسيان فضلها وحقوقها، بل بحنكة وتبصُّر وضمير حي جعلوا الأسرة واحدة، تجمعهم حسن المعاملة والتزاور والتعاضد؛ فكان التعدد نعمة لا نقمة، وهذا هو مراد الشرع ومقصد السُّنة.
الأنثى بما خصها الله من طبيعة شفافة، وعاطفة متدفقة غزيرة، يندر في عالمنا منذ فجر التاريخ أن تجد امرأة ترحِّب بضرة تشاركها زوجها. كما أن قليلاً من الرجال مَن يُحسن إدارة هذه الأزمة النفسية والعاطفية مع الزوجة الأولى بدءًا بإخبارها بنيته، مرورًا بتعامله معها حتى بعد مرور فترة من زواجه بالثانية. ولم أسمع أو أقرأ حقيقة عن تقديم دورات اجتماعية ونفسية إرشادية للمُقدمين على التعدد أو زوجاتهم، من باب التعقل، وكتخطيط اجتماعي لتجنب أسباب الانقسام والتشتت الأسري، بل تجنب أسباب الفقر والتدهور الاقتصادي للأسر المتعددة.
والعدل العاطفي المتوخى في النساء صعب المنال بالطبع {وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ} (سورة النساء 129)، أي لا يقدر رجل على مساواة زوجاته في الحب؛ لأن القلب بيد الله، أما المقصود بالعدل المطلوب فهو عدل النفقة والصلة والمعاملة (اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تؤاخذني بما تملك ولا أملك) كما قال صلى الله عليه وسلم.
وقصص التعدُّد الفاشل والمؤذي للزوجة الأولى أو حتى للثانية وأبنائهما إنما مصدر غالبيتها من غياب العدل في النفقة والصلة والمعاملة. إلى اللقاء.