نوف بنت عبدالله الحسين
حين تعزف الثقافة على وترين مختلفين، وعلى جانبين من المقامات التي تصدح بشكل مغاير، فما بين النقّاد والروّاد كانت لنا تلك اللحظة المقتطفة، ليشهد مسرح الملك فهد الثقافي على هذه الوقفة التاريخية.
خليط غير متجانس مع عقول واعية ما بين النقّاد والكتّاب، بقيادة أ/محمد عابس، وحضور لافت متعطش ومتشوّق من الجمهور، ليتحوّل الخليط إلى خلطة ناجحة في الحوار والنقاش واحترام الرأي الآخر.
بمجرّد أن تدخل المسرح، يرحب بك المنظمون وكأنك أحد الأفراد في هذه العائلة الثقافية الكبيرة في بلادي.
تتوجّه إلى القاعة التي أقيمت بها الأمسية، لتجد القامات وقد توسطت منصة المسرح المدرج.
القاص حسين علي حسن، يتحدث عن تجربته القصصية المدهشة، وكيف كانت بدايات قراءاته في عمر صغير من أمهات الكتب التي بلا شك أثرت في ثقافته وكوّنت شخصيّته الأدبية مع ما يملك من أدوات إبداعية مذهلة، وتحدث عن ميلاد الرواية في السعودية وبشرى هذه الحركة وما واجهها من تحديات وصعوبة النشر والانتشار.
الناقدة د. رانيا العرضاوي ألهبت المسرح بحضورها الفكري والأدبي لتوضّح الفكرة الدارجة عن النقد الذي اكتشف أعظم الأعمال الأدبية المذهلة، كسبت احترام الجمهور لسعة معرفتها وقدرتها على أخذ مجرى الحديث إلى الجانب المضيء من وظيفة النقد، مصححة بذلك الفكرة المغلوطة عن النقد الذي يهدم.
الشاعر محمد جبر الحربي، الرجل الذي أعاد للأذهان رحلته المريرة في محاولة التخلص من الموت الذي رمي به، رغم استمرارية عطائه وتألقه وغزارة ما لديه من شعر وحرف إلى هذه اللحظة، ليبرهن لنا بأن المبدع مهما حاولوا تكميمه، سيعيش حرفه لينصفه ولو بعد حين.
محمد العباس، الناقد المذهل الذي يلتهم الكتب ويهابه الكتّاب يتحدث عن فلسفة النقد ومذاهبه وتاريخه وما آل إليه الآن، وأن النقد علم والأعمال الأدبية بحاجة إلى قراءتها ونفقدها، وإبراز الجوانب الجمالية وتوضيح الأخطاء التي تصادف الكتب، ومن التجارب الملهمة في عملية النقد ما تم تناوله في شعر الثبيتي من قبل النقاد كأحد الرواد في الشعر السعودي، وإحدى المدارس الشعرية المميزة.
عبده خال الرجل الأنيق النحيل، الروائي الذي تجرأ على كل المقاييس المتاحة في الكتابة ليتيح للكتّاب من بعده في الكتابة عما بين الشقوق في العوالم اللامرئية، ليتيح الطريق لمن أتى بعده، تحدث بكل عفوية وشفافية بكاريزما جاذبة معلناً باختصار أنه لا يقرأ للنقاد ولا يهتم للناقد، وما يهمه هو توافق ذائقة القارئ التي تتوافق أو لا تتوافق مع الكاتب، وهذا هو مقياسه، متحدثاً عن تجربته التويترية في وسم #.ق.ق.ج (قصة قصيرة جداً) ليخبرنا بأن هناك حروفاً مذهلة وكتابات واعدة ولربما سيكون الجميع كتّاباً، وذلك ليس بعيب بل بحركة جميلة مؤثرة.
تحدثت الناقدة حليمة مظفر عن فكرة النقد المسرحي بصفة علاقتها بالمسرح السعودي، ثم أوضحت بعد ذلك أهمية النقد الذي يطيل من عمر الأعمال الجيّدة لتتلاشى الأعمال الرديئة، ووضحت أنه في حال وجود عمل سيء سينشئ ناقداً سيئاً، وأن الأعمال الجميلة هي من تجذب الناقدين الكبار، وبالتالي فإن النقد هو ما ينقل الأعمال الأدبية إلى الأجيال القادمة من قبل القراءات النقدية للنقاد .
تفاعل الجمهور وتداخل في نهاية الحوار...
ليلة دافئة مفعمة بالجو الثقافي المفعم بالحميمية الفكرية، لأجد نفسي أختزل كل هذا الدفء في داخلي متجاهلة برودة الجو خارج المسرح.