إيمان الدبيَّان
بين الزِّينة والفِتْنة كان هناك شيء من الأخطاء التي يقع فيها بعضنا، وكثير من الأنانية التي يتلبّسُها مُعظمُنا؛ لأنهم زِينة حياتنا جَانبنا أحيانًا الصواب؛ ولأنهم فِتْنتُنا جعلناهم أغلى الأحباب؛ لأنهم أولادنا ذكورًا، أو إناثًا أردنا تربيتهم بطريقة مثالية، ومرفَّهة لم نشعر بعدم جَدْواها، ولن ندركَ نفعها إلا عندما تُجْبِرُنا مواقف الحياة الصارمة، وأيام المستقبل المقبلة، وما أراه من وجهة نظري له شواهد عديدة، وأدلة فريدة، التعميم فيها مرفوض، والتخصيص لها مفروض.
إسرافنا في حبنا لهم، ومبالغتنا في الخوف عليهم، وحرصنا على حياتهم كل هذا جعلنا لا نحملهم المسؤولية، ولا نمنحهم شجاعة المواقف الحتمية، ولا يستقلون في آرائهم المعنية، في مرحلة الطفولة نجعل صغر السن لهم عذرًا، وفي مرحلة المراهقة نلتمس الطيش لهم سببًا، وفي الشباب تخيلنا مجانبة العقلانية عنهم مبررًا.
الاهتمام بطفل اليوم لا يقتصر على توفير ملابسه من دار أزياء عالمية، ولا اصطحابه لمطاعم مشهورة أسعارها خيالية، أو منحه الكثير من المبالغ المالية، وإن كان يحتاج إلى ذلك متى ما توفرت المادة ولكن باعتدال، طفل اليوم يحتاج إلى تنوير الفكر وتغذية الروح وبناء الجسد، فالفكر لا تضيئه المدارس الدولية إن لم تطبق معها مناهج الحياة الواقعية، والروح لا تتغذى بالسفر والألعاب إن لم تُسقَ بمياه الحب للأهل والوطن والحياة، والجسد لا يُبنى بالوجبات السريعة إن لم تَجْمَعْ الأسرة مائدة بالود والاحترام والتفاهم مليئة.
طفل اليوم يحتاج إلى المشاركة في الرأي وإن كان مختلفًا فالاختلاف هو وقود الأفكار النادرة، والسؤال عن المعرفة هو مفتاح العلوم الواسعة التي قد لا يُجاب على بعضها، ويتم تجاهلها لأسباب لدى الأهل واهية قد تؤدي بالصغير إلى الهاوية، فلنسمع أطفالنا، وننزل إلى مستوى تفكيرهم؛ ليرقوا إلى أبراج أمانينا، لا نُسَفِّه آراءهم ولا نستقل بحقوقهم، لهم حق الحوار وعلينا واجب النقاش، ليست قسوة عندما نعلمهم القيام ببعض مسؤولياتهم الخاصة وليست ثقافة تربية عندما نقصر محور اهتمام الفتاة على أن الحياة زوج والوصول إلى قلبه عن طريق طهو طعامه، وليست الرجولة في تجفيف مشاعر الصبي من ينابيع الحب والأحاسيس الفطرية لدرجة منعه من البكاء لأنه رجل.
ليتربى أطفال اليوم على أن الحياة حب لكل ما فيها بداية من حبهم لذاتهم إلى حب الناس والأشياء، إذا غرست العواطف بداخلهم أثمرت عطاء مرويًا بندى السعادة ومحاطًا بأوراق العطاء لمجتمعه اليوم، وجيله في الغد.
لنربي أطفالنا على أن الصبي سيكون رجلاً إذا استمتع بطفولة هنيئة، ومراهقة صحيحة، وشابًا متعلمًا، ولتتربى الفتاة على أنها ستكون امرأة ناضجة، وأمًا صالحة إذا تنعمت بطفولتها آمنة، وفي مراهقتها آنسة، وفي شبابها أنثى بارعة.
الحياة تبدأ دروسها مع أول تجربة وتنتهي موضوعاتها مع آخر غمضة، دامت حياتكم سعيدة، ومع أولادكم بالفرح مديدة.