محمد آل الشيخ
كلمة وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي الأستاذ عادل الجبير للأوروبيين كانت قوية ومباشرة وتضعهم في حجمهم الطببعي. الأوروبيون لم يعودوا كما كانوا قوة مؤثرة وضاربة تشفع لهم أن يتدخلوا بعنجهية وتطاول في شؤون الدول الأخرى، فضلاً عن الوهن الذي يكتنف هذا الاتحاد من الخلافات والنزاعات والتشرذم، ما يجعل مستقبلهم كاتحاد تحيط به كثير من التحديات التي تتضخم مع مرور الزمن، خاصة بعد أن أقر البريطانيون الخروج منه، وكما تقول المؤشرات فإن بعض الدول الأعضاء الأخرى أيضًا ستقتدي بالتجربة البريطانية، بعد تنامي الحركات والأحزاب الشعبوية اليمينية، التي تختلف فيما بينها في توجهات وتفاصيل كثيرة، لكنها تتفق على الخروج من هذا التكتل الذي كانت له آثار سلبية على مصالحها الاقتصادية، وخصوصياتها الثقافية.
كلمة الجبير كانت بمنزلة الحقيقة التي كان يجب أن تقال لهؤلاء الذين مازالوا يعدون أنفسهم أوصياء على العالم، وعلى دوله، وعلى حقوق الإنسان فيه؛ فالمملكة ليست لا دويلة قطر ولا جمهورية من جمهوريات الموز، فحجمها الجغرافي وتأثيرها ومكانتها الدينية وتاريخها الممتد قرابة الثلاثمائة سنة، تجعلها دولة إقليمية وازنة، لها ثقلها الجيوسياسي والاقتصادي والأهم من كل ذلك الديني؛ فالتعامل معها يجب أن يتماهى مع هذه العوامل الموضوعية، ولن نسمح لكائن من كان أن يشكك في سيادتها واستقلال قراراتها. ومن الواجب أن تكون تعاملاتنا التجارية والسياسية تنطلق من هذه الحقائق السيادية التي لا نقبل المساس بها ولا تشويهها والمساومة عليها بحزم لا يعرف التهاون، ولا يقبل بالتدخلات في شؤوننا البتة. إضافة إلى أننا نعرف أن وراء الأكمة ما وراءها، فيما يتم تداوله في هذه المحافل، خاصة بعض الدول التي يكتنف خطابهم النقدي للمملكة أسباب تصب في مصالح آخرين، أو حرض عليها آخرون، وتقال لغايات مدفوعة الثمن، هدفها في نهاية المطاف ليست أخلاقية، رغم تعمدها أن تبدو كذلك. وكان كثير من الأوروبيين يُحملنا مسؤولية نشر ثقافة الإرهاب، وعندما تعاملنا مع أساطينه ومنظريه ودعاته لدينا بقوة وحزم، عادوا وانتقلوا إلى الضفة الأخرى من النهر، وأصبحوا هم من يدافعون عن هؤلاء الإرهابيين ويذبون عنهم بقوة، مستخدمين (ذريعة) حقوق الإنسان التي أصبحت بالفعل أسطوانة مشروخة أو هي (كلمة حق يُراد بها باطل).
ومن يرصد أوضاع المملكة مع الإرهاب يجد أن تجفيف منابعه الثقافية وكذلك المالية في المملكة تحقق من الإنجازات ما عجز عنه الآخرون، حتى تكاد بلادنا اليوم أن تخلو من أي نشاطات إرهابية لا سيما مع الانفتاح الثقافي الذي تعيشه المملكة مؤخرًا، وفي المقابل لا نجد أن الأوروبيين يحفلون بهذه النتائج، بل يتجاهلونها وكأن شيئًا لم يتغير.
وأنا على قناعة لا تخالجها أي شكوك أن مقاطعتنا لدويلة قطر، التي هي الداعم الأول لجماعة الإخوان المسلمين، الجماعة التي من رحمها تتوالد حركات العنف والإرهاب والكراهية، كان من أهم أسباب انحسار عمليات الإرهاب في بلادنا، فكان الأجدر بالأوروبيين أن يصبوا انتقادهم على تلك الدويلة التي فتحت خزائنها على مصراعيها لتمويل هذه الجماعات أينما كانت، بدلاً عن التغاضي عنها، وصرف هذه الانتقادات إلى الآخرين.
نعم قطر دويلة صغيرة، وتفتقر لمقومات الدولة، ولديها خبرة في رشوة أصحاب الأصوات العالية، لكن صغرها لا يعني إطلاقًا عدم مسؤوليتها عن الإرهاب؛ فهي بمنزلة البعوضة التي أدمت مقلة الأسد.
إلى اللقاء