د. خيرية السقاف
الأوبئة التي تصيب البشر حين تسود بينهم، وتأخذ من الأرض مساحات، تنزل بهم بآفاتها، هذه التي تختلف آثارها، وأقصاها موتهم، هي ليست أمراضًا طارئة، ولا أوجاعًا عابرة، هي أوبئة تفتك بالبشر وإن قل عددهم، فما يكون الأمر حين تجوب بحريتها الأجواء؛ فتنقل من واحد لعشرات، ومن موطن لآخر، ومن دولة لدولة؟..
الهواء ينقلها، واللمس يسرِّبها، والمزاملة في مركبة، أو سكن، أو شارع، أو سفر يمنحها إذن الترحل، ويهيئ لها فرص الهيمنة؛ فتصبح مصدر قلق، ومبعث حذر، وقضية إنسانية، وصحية، وعلاجية، وبحثية، قيد المكافحة، والمواجهة بالعنصر البشري المعالج، وبالمعْزِل الصحي الملائم، وبالميزانية الإضافية الطارئة..
هذه الأوبئة حين تظهر ستنهض همم المكافحين لها، فتنشط أفكارهم، وتُسخر قواهم، وقدراتهم، وأموالهم، وأدوارهم للتصدي لها، واجتثاثها من جذورها، وعرقلة انتشارها، والحماية منها، وتوعية البشر بها، والبذل لحصرها، والسهر لإفنائها والقضاء عليها.. والإنسان عرضة للموت حين تحل، وإن كان قويًّا، كما الزرع حين تسري فيه الأدواء يموت «واقفًا»..
«كورونا» عاد للسياحة فوق الأرض لحصد الأرواح، وكتم الأنفاس، للهلع من ضيق الصدور، وإغلاق بوابتَي الرئات فيها، لسقوط الواقفين على أرجلهم، وتعطيل مساعيهم على الأرض، وتشظية اجتماعهم، وإنقاص كثرتهم، وإحراق اطمئنانهم، وطمس ابتسامهم..
في «الصين» حيث كثافة السكان تسارع الوباء فانتشر، يفتك بالمطمئنين..
وخوفًا منه حيث يتحرك إنسان تكممت الأفواه، وبدا الناس كما الأجساد القادمة من غابات المخيلات في أفلام الرعب، أو أجسام الفضاء المدهشة حين هبوطها في مخيلات القاصِّين..
حتى الأطفال أيضا مكمَّمون، يخافون نسمة هواء، ورذاذ عاطس، في تطلع لمستقبل آمن..
لكن «كورونا» هذه العودة جاء بجيوشه ليحتل من الأرض أوسع مساحة؛ إذ لم يكتفِ بالنزول في الصين، بل توسع ليحل في أستراليا، وماليزيا، وفرنسا، وأمريكا، وتايلاند، وفيتنام، وسنغافورة، واليابان، وتايوان، ونيبال، وكوريا الجنوبية، وبلغ حتى لحظتنا هذه عدد المصابين به ألفًا وثلاثمئة إنسان يتنفس، غير الذين أخذهم في إهاب قسوته، وسرعة انتشاره، فسقطوا موتى!!..
لكن، ماذا فعلت الصين معه كأول إجراء وقائي؟
لقد أقاموا في ستة أيام مشفى خاصًّا للتصدي له، بقوام ألف سرير لضحاياه..
فماذا سيكون من الاستعداد لأية حالة هنا في وطننا حين لا تتوقف الطائرات، ولا السفن، ولا مصالح التجارة، والاستثمار، والدبلوماسية، والتعليم بيننا وبين المواقع التي نزل بها، وتلك التي اجتاز إليها؟!..
في انتظار معرفة إجراءات الجهات المختصة في شأنه. حفظنا الله من شره، وكل البشر.