د. محمد عبدالله الخازم
كنت من هواة مادة التعبير؛ وليست المرة الأولى التي أكتب عنها. هل ما زالت تُدرَّس لدينا؟ كيف يُنظَر إليها؟
أذكر أنه طُلب منا التعبير عن المكتبة في الأول المتوسط، وحصلت على درجة متوسطة في ذلك الموضوع. وفي الثالث المتوسط طُلب منا الموضوع نفسه، ولم أجهد نفسي كثيرًا؛ نسخت الموضوع حرفيًّا من دفاتري القديمة. والطريف في الأمر أنني حصلت على درجة متميزة في ذلك الموضوع رغم أنني لم أغيِّر فيه حرفًا عما كتبتُه في الصف الأول المتوسط! لم يكن مهمًّا عند معلمي إن نُقل الموضوع من كتب معينة، أو أن يكون كتبه لك أخوك الأكبر؛ فالمهم هو كتابة موضوع، وقضاء ساعة أسبوعيًّا في مادة تسمى «التعبير».
هذا ما كان يحدث أيامنا، بينما مفهوم التعبير في الحياة يشمل ما هو أكبر من ذلك بكثير؛ فحينما أكتب هنا فأنا أعبِّر عن رأيي، وعندما يناقش المدير موظفيه فهو يعبِّر عن رأيه في طريقة أداء العمل، وحينما يشرح أب لابنه مفاهيم معينة في الحياة فإنه يجب أن يعرف الطريقة التي يعبِّر بها عن تلك المفاهيم.. وهكذا التعبير يتجاوز مجرد موضوع عن المكتبة والمطر وإجازة الصيف إلى سلوك وممارسة، يلزم الإنسان تعلمها في مراحل الحياة ومواقفها كافة، سواء كان ذلك شفويًّا، كتابيًّا أو جسمانيًّا. وتنعكس القدرة على التعبير على ثقة الإنسان بنفسه وقدراته في التعامل مع الآخرين.. إلخ.
سبق أن طالبتُ بوضع أهداف وفق المرحلة العمرية والتعليمية، تبدأ من الأول الابتدائي بالشكل الشفوي قبل الكتابي، كأن يبدأ بتعليم الطالب الوقوف أمام زملائه، والحديث إليهم، وسماع السؤال، والرد عليه، وكيفية الحديث دون مقاطعة لزميله، ودون إحداث فوضى. ثم ينتقل للتعبير الشفوي والكتابي المبسط؛ فيتمكن التلميذ من شرح خطوات التنفيذ بشكل منتظم لعمل شيء ما، يتناسب مع عمر التلميذ. مثال لذلك: يمكن الطلب من التلميذ كتابة خطوات قيامه بغسل أسنانه بالفرشاة قبل النوم، ثم عرضها أمام زملائه. وهنا ليس المطلوب كتابة صفحتين كاملتين، أو كتابة مقال عن أهمية نظافة الأسنان، وإنما يقوم الطالب بكتابة الموضوع بدءًا من العنوان والهدف من استخدام فرشاة الأسنان، ثم الخطوات الرئيسية لعملية تنظيف الأسنان. الفكرة هي تعليم الطالب طريقة ترتيب الأفكار، وعرض الموضوع على شكل نقاط وخطوات.. وحين يعرضها ويتمكَّن من عرضها على زملاء الصف بطريقة تسمح بالنقاش، وتقبُّل الآراء المختلفة، وهكذا.. نصل لمرحلة تعلم أساليب الصياغة اللغوية والبلاغية والإبداعية.. الخ. التعبير مادة كبيرة الأهمية، لو طُبقت بشكل واضح وهادف كمادة سلوكية تعبيرية، وليست معلوماتية تعتمد على كمية المعلومات..
القدرة على التعبير تصنع فردًا واثقًا عند طرح الرأي، وتقبُّل الرأي المعارض.. وقادرًا على تنظيم أفكاره وعرضها بأسلوب مقبول، يعبِّر عنه شخصيًّا. نحن نعاني من خريج الجامعة الذي يعجز عن إلقاء كلمات محدودة أمام الآخرين، وموظف يعجز عن صياغة طلب متواضع، وأستاذ غير قادر على صياغة رأي.. نريد أن يتعلم الناس كيفية طرح ومناقشة وإيصال الأفكار بعيدًا عن العنف و«الفهلوة» ورفع الصوت.