محمد سليمان العنقري
تنظيم سوق العمل من الركائز الأساسية لمعالجة ملف البطالة، وهو دور تقوم به الجهات المختصة بالدول، مثل وزارات العمل أو الهيئات المعنية بحسب تنظيم كل دولة. وتهدف السياسات التي توضع لتنظيم السوق إلى ضمان حقوق الأطراف ذات المصلحة، وإيجاد بيئة تنظيمية مستقرة، تكفل تحقيق الأولوية للمواطنين بالحصول على فرص العمل، بما يسهم في تحقيق أحد أهم أهداف الخطط الاقتصادية بخفض معدلات البطالة، وكذلك دعم جاذبية الاستثمار للاقتصاد.
وفي المملكة تغيّرت أنظمة العمل على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية بهدف التطوير والإصلاح. ورغم أن هذه التغيرات أسهمت في زيادة أعداد العاملين من المواطنين بالقطاع الخاص بما يقارب 800 ألف شاب وشابة خلال السنوات العشر الأخيرة؛ ليتجاوز عددهم 1.7 مليون عامل سعودي في القطاع الخاص، إلا أن ذلك لم يخفض من نسبة البطالة لمستهدفات تقديرية سابقة عند نحو 9 %؛ إذ تبلغ حاليًا 12 %. ومن المهم ذكر عامل إيجابي، بدا العام الماضي بتراجع نسبة البطالة من 12.8 إلى 12 %، لكن الطموح يبقى بتسارع تراجع معدلات البطالة لنسب أقل من ذلك بكثير لاعتبارات عديدة، منها أن الاقتصاد يعمل فيه عشرة ملايين وافد على الأقل، وهناك ما لا يقل عن مليونَي وظيفة يمكن للمواطنين المنافسة عليها، وهو رقم يفوق عدد العاطلين عن العمل بأكثر من الضعف، إلا أن ما قد يبدو عاملاً مؤثرًا على صعوبة تنافسية المواطن هو استمرار إصدار تأشيرات العمل بأرقام كبيرة؛ إذ تشير الإحصاءات إلى أن عدد التأشيرات التي أصدرت العام الماضي 2019 بلغ 1.2 مليون تأشيرة بزيادة 100 % عن العام 2018م؛ وهو ما يعني أن عامل المنافسة للمواطن يصبح أكثر صعوبة مع زيادة المنافسين من الخارج. فمن أهم العوامل التي يفترض أن تمثل الركيزة الأساسية باستراتيجيات سوق العمل دعم تنافسية المواطن، وأن تكون كل الأنظمة والإجراءات مبنية على هذه الركيزة، يُضاف لها ضرورة الاتجاه لتغيير الطبيعة التعاقدية للعاملين الوافدين مع المنشآت بعيدًا عن النظام المعمول به حاليًا لدعم تنافسية السوق للمواطن مع الوافد.
أما ملف البطالة فمعروف أنه هدفٌ اقتصادي، تشترك في تحقيقه جهات عديدة، تقوم بدورها من تأهيل وتدريب إلى تنشيط قطاعات تولد عددًا كبيرًا من فرص العمل الملائمة للمواطنين من حيث الدخل والمتطلبات.. فهناك علاقة بين طبيعة مستوى تأهيل كل مجتمع ونوعية الوظائف التي يتم توليدها ونسب البطالة.. فالمتعلمون والمؤهلون بالمجتمع من المواطنين يمثلون النسبة العظمى. فبالرغم من أن نسبة غير المؤهلين ممن هم بسن العمل في العالم العربي تبلغ 40 % إلا أنها بدول الخليج تقارب 16 % حسب تقرير لمنظمة العمل الدولية، صدر مؤخرًا؛ وهو ما يعني أن السياسات العامة للنهوض بالتنمية البشرية حققت نجاحًا بالمجمل في التوسع بالتعليم والتأهيل؛ فالمملكة حققت المركز الـ36 عالميًّا من بين 189 دولة بعد أن كانت بالمركز الـ39 عام 2018م، وذلك حسب تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لعام 2019م؛ ولذلك فإن تسارع تنفيذ البرامج التي تدعم نشاط القطاعات الرئيسية لزيادة ضخ الاستثمارات، وتوليد فرص العمل، يُعد أمرًا في غاية الأهمية للمساهمة في سرعة تراجع معدلات البطالة، وتصحيح السوق؛ ليكون منطقيًّا وواقعيًّا، يعكس عوامل عديدة. فمع كون المملكة أكبر اقتصاد عربي، ومن دول مجموعة العشرين، ويتم توليد عدد كبير من فرص العمل سنويًّا، ومع وجود أكثر من عشرة ملايين وافد، فمن الضروري أن ينعكس ذلك بأن تكون معدلات البطالة للمواطنين عند نِسب متدنية جدًّا، أي يفترض أن تتكامل كل الجهات المعنية بالتنمية مع بعضها، بما فيها القطاع الخاص؛ لينعكس الواقع الحقيقي للاقتصاد على نسب البطالة بخفضها لنسب متدنية عند 5 % على أبعد تقدير خلال مدة زمنية قصيرة، لا تتخطى ثلاثة إلى خمسة أعوام.
صحيح أن ملف البطالة وتوليد فرص العمل هو ملف تنموي حكومي ضخم لكن سياسات سوق العمل تبقى عملاً أصيلاً لوزارة العمل، لا بد أن تتكامل خطواته باستراتيجية ثابتة، محورها العامل الأساسي، وهو دعم تنافسية المواطن في سوق العمل بمختلف الطرق والممكنات.