مها محمد الشريف
مما يفقد التحالفات توازنها هو خطورة الميل إلى الغزو، فهذا الميل إذ يتولد عادة عن طموح آخر غير الذي يُعلن عنه، لا يكون على نحو ما يبدو عليه دائماً، كما أن سببه الحقيقي ليس هو الرغبة الظاهرة في توسيع الأمة بقدر ما هو الرغبة الخفية في الزيادة من سلطة الرؤساء بالداخل وزيادة عدد الجنود وإشغال أذهان المواطنين بشؤون الحرب.
لو تأملنا كيف هو العصر الحاضر، لتبينَّا أنه عصر يسوده شعور بالعجز والحيرة، فالبشرية ترى نفسها مقادة إلى حرب لا يريدها أحد، حرب تجلب معها للغالبية العظمى الكوارث والدمار، وقصص ومشاهد من أهوال القنابل والحطام والقتلى والمهجرين والمدن التي محيت من خرائط الدول. بينما السلطة الحاكمة تتمتع بكامل حقوقها وتسحق تحت أقدامها جماجم شعوبها كما هو حال سوريا والعراق اليوم.
إن أمراً من الأمور المؤلمة التي يعم بها عصرنا ووقتنا الحالي، أولئك الذين يحاربون في أوطانهم ويقتلون80 جندياً يمنياً على الأقل من قوات الشرعية اليمنية في هجوم بصواريخ أطلقتها ميليشيات الحوثي على مسجد في محافظة مأرب بحسب ما أعلنت مصادر طبية وعسكرية، من الغريب أن ميليشيات الحوثي لا تسعى إلا للموت والدمار على أرضهم، وطمس هويتهم الوطنية من أجل مأرب الغازي حيث تواصل الميليشيات طمس الهوية اليمنية، فقد أقدموا على تغيير أسماء عدد من الحدائق العامة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، واستبدال أسماء أخرى بها ذات صبغة طائفية وسلالية، وذلك بالتزامن مع اختتام فعاليات الاحتفال السنوي بقتلاها.
هذا التوغل في العنف خطر يهدد العالم بأسره وليست منطقة أو دولة فقط، فهو أبعد أثراً مما ينبغي، بل هو في غمار خطط الغازي التقدمية لتغيير الشرق، فمهما ارتفعت الكراهية بين بعضهم بعضًا، لن يستطيع الغازي تغيير العالم مهما بلغت قوته وخطورته، «إذا استطاع الناس أن يفكروا ويشعروا بعمق، بما يحدث لهم من قهر وعنف ويتحرروا من الخوف ستذوب مشكلاتهم الطائفية والشخصية، بل ستذوب أيضًا مشكلات السياسة العالمية حتى أكثرها تعقيداً وصعوبة ويتبدد الضباب من قمة الجبل». كما قال برتراند رسل في كتابه «آمال جديدة في عالم متغير».
فإذا استطاعت الناس دحر الغازي وعالجوا الصراع الداخلي وتركوا الصراعات المختلفة انتهت المرحلة المظلمة من تاريخهم وحققوا أكبر الانتصارات لأوطانهم، وانتهت مقامرة إردوغان في ليبيا التي تريد تحويل «البحر المتوسط» إلى بحر من الاضطرابات.
ولن يظهر كل هذا في المجال العملي بطبيعة الحال، إلا إذا ارتفع الوعي الحقيقي في الشرق والغرب بأهمية دور العقل السياسي في إرساء قواعد السلم في كوكب الأرض الذي يحمل مخلوقات مفكرة صنعت الطائرة والصاروخ والقنبلة الذرية والهيدروجينية وكثير من الصناعات الحديثة المفيدة والمدمرة، وأن يضع حدودًا لهذا التهور لتحقيق مستقبل آمن لسكان الشرق خاصة والعالم عامة.