د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
انشقت قناة [روتانا خليجية] في الأسبوع الماضي عن صورة التعليم السعودي في برنامجها [في الصورة]، واستنطق [المديفر] مقدم البرنامج الجماهيري اللافت جلَّ ما جال ويجول في ذهنية الناس من معالي وزير التعليم، فتوالتْ في ردود معاليه في [الصورة] بشارات ووعود التعديل والتبديل واستحداث السياسات التنظيمية، ونثق كثيرًا في عمق مفهوم الإصلاح عند معالي الوزير منذ أن نال الثقة الملكية ومعاليه على يقين بأن الإصلاح التعليمي ليس بدعًا من القول ولا حكرًا من الفعل، بل هو طريق سلكته الكثير من الأنظمة التعليمية فقادت بلدانها إلى ازدهار ثقافي واقتصادي وفير؛ ونافستْ الدول من خلال متانة التعليم وتفوق مخرجاته،،،
ويعلم معالي الوزير أن التعليم في الدول المتقدمة والدول الناهضة يجري وتجري خلفه المؤسسات الصناعية والاقتصادية والاجتماعية، فالتعليم مفتتح للوصول الصحيح الآمن،،،
ويمثِّل تنفيذ إستراتيجيات الإصلاح شطرًا من التحديات أمام القيادة التعليمية عندما يتعلق الأمر بتحسين الأداء من أجل التغيير، فقد تُنَفّذ الحلول في الأماكن الخاطئة! وهنا تكون بداية انهيار الإستراتيجيات؛ كما أن المفاهيم ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالإستراتيجيات؛ فعندما نتقن صياغة المفاهيم فإننا نتقن حتمًا تحديد مستهدفاتنا في عمليات الإصلاح التعليمي، وهذه خطوة كفيلة تضمن انحياز المنفذين وانضمامهم بشغف إلى عملية الإصلاح؛ وتأسيسًا على هذا الرأي فيلزم المحافظة على الأجهزة التنفيذية في الميدان التعليمي من خلال استقلالية كياناتها حتى لا تتحول إلى أجهزة تحكمها العادة التنفيذية فقط؛ إضافة إلى التنامي في حشود المنفذين الذين يخاطرون بالمنتج التعليمي من أجل إيجاد أنفسهم فقط، أما المستهدف فغيابه أكيد عن الموقف التعليمي! ومن أجل الإصلاح أيضًا لابد وأن تأخذ المناهج التعليمية وإعدادها نصيبها من اجتماعات المسؤولين التعليميين وطاولاتهم الملأى! فكم نتوقُ لاجتماع جدير عن تدريس العلوم والرياضيات في مدارسنا؛ وآخر عن تاريخنا كيف نجعله ينبض في وجدان المتعلمين قبل عقولهم؛ وتفاصيل معرفية أخرى تحتاج إلى نقاش مستفيض! وكم يقلقنا أن تغلق المطابخ التعليمية على تنظيمات محصورة وتنتهي العملية بوجبات قد لا تفي بالغرض ولا تسد الحاجة الملحّة؛ ولا تحقق الطموح، بل يزداد الأمر خطورة حينما تقف نواتج النقاشات التنظيمية أمام اللوائح المعتمدة، وتتربع خلف الإستراتيجيات المصنوعة!
ونأمل أن يلتفت معالي الوزير إلى الحوار المباشر جدًا جدًا دون وسيط مع قادة المدارس، فتسطيح ما تعانيه المؤسسة التعليمية الصغيرة (المدرسة) هو القضية التعليمية الأولى، فالمؤشرات اللفظية وغير المكتوبة من قادة المدارس مباشرة هي المُستَند الصادق لصناعة التغيير الإستراتيجي العميق بعون الله؛ فمن الملاحظ أن كثيرًا من المشكلات في المدارس تبقى متخفية إلا عندما تنكشف من خلال مواقف جلية وأهمها نواتج الاختبارات التقويمية المحلية والدولية،،،
ويُحمد لمعالي وزير التعليم أسلوب الوضوح والمكاشفة الذي ظهر في [الصورة]، كما يُشكر ويُذكر لمعاليه تجاوزه لإدارة المظاهر في الوزارة، وذلك مؤشر عالٍ نحو العزم على الإصلاح الحقيقي،،
ولقاء معاليه في [الصورة] في مجمله جرعات لافتة في المحتوى التنظيمي؛ فنأمل أن لا تكون مستهدفات تلك الإصلاحات في سياسات النظام التعليمي ومراحله من أجل تخفيف العبء على المتعلمين اليوم، فالتعليم أصله الأخذ من كل علم بطرف؛ والتعليم العام محضن، لذلك يجب أن يخرج منه المتعلمون بحصيلة شاملة وتشكيل مجزٍ من كل العلوم والمعارف، والتخصيص محله الجامعات، ومن المشاهد أن هناك بذلَ كثيرٍ من الوقت لبناء مسوغات متينة للإصلاح التعليمي، ولكن إذا لم يتوافق ذلك مع جهود موازية لصناعة واستقطاب المورد البشري الذي يحمل ممكنات التنفيذ بجدارة وقوة مع بناء ثقافة عالية لتبني الفكر الإستراتيجي الإصلاحي؛ وأجزم أن الوقت والحاجة يؤكدان أن التعليم يلزمه الآن تخصيص المعرفة التعليمية والتربوية بتشكيلاتها المختلفة قيادة ومعلمين وخدمات تربوية مساندة من خلال استحداث [جامعة تخصصية] في دعم المنشآت التعليمية في التعليم العام بمخرجاتها، يتصدرها المعلمون وتسهم هذه الجامعة في تطوير وتأهيل القوى البشرية الحالية؛ فالحاجة مستمرة والفرصة حاليًا جاهزة حيث يمكن الاستفادة من مشروع بناء الهوية البحثية المتخصصة لكل جامعة كمستند لصياغة نظام الجامعة التربوية وتأطير مساراتها،، والواقع يؤكد وجود معامل عدة وكيانات تصنع أنظمة ومشاريع للتعليم ولا تحكيم حيالها إلا من خلال الميدان، وهناك فقد وخسارة إن كان هناك ثغرات في التنفيذ أو في أساس البناء، ولذلك ستكون الجامعة التربوية داعمًا أوليًا للتعاطي الصحيح مع مبادرات رؤية وطننا 2030 واستثمارها كما ينبغي في تحقيق جودة المخرجات التعليمية التي هي جودة في النتاج الوطني في جملته، وكذلك ستكون الجامعة موردًا عذبًا للطاقات الوطنية الراغبة في الإسهام في نجاح مهنة التعليم الشريفة،،
بوح أخير،،،
من السهل المناداة بتغيير يتطلب جهدًا؛ لكن من الصعب إحداثه.. والله ولي التوفيق!