د.شريف بن محمد الأتربي
يظل التغيير هو الشغل الشاغل لجميع البشر على اختلاف فئاتهم وأجناسهم وأعمارهم؛ فالتغيير هو عملية يقوم بها الأفراد لتعديل أو تحسين أو تبديل واقعهم ليتماشى مع آمالهم الحالية والمستقبلية.
ولعلي أسرد في مقدمة هذا المقال ما كنت أود سرده في خاتمته من الاستشهاد بما حدث في المملكة العربية السعودية خلال الأعوام الخمسة الماضية، وكيف استطاعت إرادة التغيير أن تحدث فارقًا في جميع مجالات الحياة داخل المملكة، وأصبحت المملكة تمثل نموذجًا لما ينبغي أن تكون عليه الدول الوسطية في معتقداتها وأفكارها وقدرتها على التعايش مع الآخر، وتقبل الاختلاف العقدي قبل الفكري. ومن دولة تتصف بجحد حقوق المرأة إلى دولة تعتلي فيها المرأة أعلى المراتب السياسية والاجتماعية والاقتصادية و... وغير ذلك الكثير من التغييرات التي حدثت ومازالت تحدث في المملكة بفضل الله تعالى ثم بفضل قيادتنا الرشيدة وما بثته في المجتمع من إرادة للتغيير تحت راية خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي العهد قائد التغيير ومُلهم الإرادة يحفظهما الله.
ومن المواقف الأخرى الدالة على إرادة التغيير ما رأيناه في سلطنة عُمان الشقيقة؛ فعلى مدار خمسين عامًا والكل يتساءل ماذا بعد السلطان قابوس-رحمه الله- فقد رسم هؤلاء وهؤلاء صورًا ذهنية تطبعت في عقول الأجيال جيلا بعد جيل ما بين سواد شديد إلى بياض ناصع البياض فيما يمكن أن تؤول إليه الأحداث في السلطنة ليفاجأ الجميع بإرادة التغيير تطغى على كل شيء وتتحول إلى إعصار هائل يكتسح جميع الصور السلبية السوداء أمامه ويتبدل الحكم في السلطنة في سويعات قليلة وقبل حتى أن يوارى الجثمان الطاهر للسلطان قابوس -رحمه الله- الثرى، حيث ضرب نموذج في الوفاء للقادة أحياء وأمواتًا حين فُتحت وصية السلطان قابوس -رحمه الله- بناء على اتفاق أفراد العائلة وتنفيذ ما ورد فيها حرفيًا ليكون درسًا حيًا في إرادة التغيير بسلاسة وأريحية.
وأعود إلى مقالي وهدفه الحديث عن دور الإرادة قبل الإدارة في إحداث التغيير والإصرار عليه وتبنيه ومجابهة رافضيه؛ فالإرادة هي نفسها العمل الذي يحقق الهدف، ويزيل ما قد يحول دون تحقيقه. بينما التغيير فهو أحد العمليات التي ينتج عنها مجموعة من التطورات والأحداث الجديدة. وكذلك يعد التغيير هو في حد ذاته عدة من العوامل التي تؤثر في شيء ما أو أمر ما فتنقله إلى وضع أكثر تطورًا.
والتغيير أصبح جزءًا مهما من حياة الأفراد والأمم، وأصبح الجميع يسعى نحوه بكل قوة ولكن هناك من ضل الطريق وظل يبذل جهدًا بلا طائل كأنه يحرث في البحر، وهناك من وجد الطريق وحقق أهدافه ووصل إلى مراده حسب الخطة التي وضعها لنفسه والفرق بين الاثنين هو إرادة التغيير.
وقد تابعت على مدار الأعوام الماضية ما أحدثته منصة واحدة للخدمات في المملكة العربية السعودية (منصة أبشر) من تغيير داخل المجتمع السعودي كله من مواطنين وضيوف مقيمين، فمن عاصر خدمات وزارة الداخلية في بداية التسعينيات من القرن الماضي مقارنة بما هي عليه الآن سيجد فارقًا هائلاً صعب أن يوصف أو ينقل وصفه ما لم يكن صاحب الوصف نفسه قد خاض تجربة ذاتية للحصول على خدمة من الخدمات سواء للمرور أو الجوازات أو حتى الإقامات والتأشيرات؛ وبفضل الله تعالى ثم إرادة التغيير التي تبنتها الدولة ممثلة في وزارة الداخلية فقد تم التغيير ولم يتوقف فالسهم قد انطلق بقوة وكلما تخيل البعض أن ما وصلنا إليه من تقدم في تقديم الخدمات عبر المنصة قد بلغ غايته؛ إلا وتفاجئنا الوزارة مرة أخرى بإطلاق حزمة جديدة من الخدمات تذلل بها الصعاب وتقضي بها على الروتين وتقلل من التدخل البشري وسوء النوايا في بعض الأحيان. والدليل الواضح للعيان هو ما كنا نعانيه من زحام شديد مقابل منافذ الوزارة من بعد صلاة الفجر.
إن إرادة التغيير إذا انطلقت لن يجابهها أحد لأنها نابعة من رغبة جميع المعنيين بالأمر ولن يكون تغيير الإدارة هو الحل أبدًا قبل أن تكون الإرادة هي الحل.