كلمة «اختيار» تفترض «حرية» الانتقاء بين أمرين أو أكثر. وقد تكون الحرية في الاختيار مقبولة إذا كان الأمر يتعلق بهدية تختارها لقريب أو صديق، ولكن إذا تعلق الأمر بالصراع الاجتماعي فليس لك أي «حرية» في ذلك الاختيار.
قال لينين لرفاقه عشية انعقاد أول مؤتمر «للسوفيتات» أو المجالس البلدية في روسيا عام 1917: لابد من استلام السلطة «الآن» بالانتفاضة الشعبية؛ فلو استبقنا المؤتمر بأيام؛ لفشلت الثورة؛ ولو تأخرنا ستفشل أيضاً!.. هذا النوع من الاختيار ليس «اختياريّا» -إذا صح التعبير- إنه «ضرورة»! وهو ليس «اختياراً» بين انتفاضة أو عدمها، إنما هو اختيار اللحظة!.
حَكَمَنا «الاستعمار» العثماني مئات السنين؛ ونهب خيراتنا؛ وتكونت في مجتمعنا العربي الإسلامي «حركة ثورية» ضده؛ ولأنها لم «تختر اللحظة» المناسبة لطرده حتى إبّان ضعفه؛ اضطررنا للاستعانة «مجبرين» باستعمار آخر للخلاص منه. وبقي أحفاده حتى اليوم؛ يقولون لنا -وبكل وقاحة- نحن أحق باستعبادكم من غيرنا لأننا مسلمون!.
لماذا قال الصهاينة ذات يوم: إن «إسرائيل» تستطيع احتلال لبنان بفرقة الجيش «الإسرائيلي» الموسيقية؟.. لأنه ببساطة توجد طبقة من اللصوص تسمى «سياسية»، هي التي تحكم لبنان وتتحكم به وتنفذ الرغبات الأمريكية - الإسرائيلية فيه. وتُرِكَتْ هذه الطبقة تعيث فساداً في لبنان بحجة الشراكة في الوطن!.. اللص لا يمكنه أن يكون شريكاً في الوطن، والأنكى من ذلك أنه لا ينهب وحسب، إنما يجوّع الشعب؛ ويغرقه بالديون؛ والنفايات؛ ويقطع الماء والكهرباء عنه؛ ويلوث أنهاره بمياه الصرف الصحي؛ ثم يلقي المسؤولية على المقاومة التي أتاحت له الفرصة؛ ظناً منها أن «الدهر» سيصلحه!.
لقد تكررت لحظات تاريخية للخلاص من اللصوص في لبنان، ولكن لم يتم «اختيارها» للأسف الشديد، حتى جاءت اللحظة الأخيرة التي أعلن فيها «أزلام الاستعمار» عن «خيارين» لا ثالث لهما: إما أن أقتلك أو تقتلني!.
لا يختلف حال العراق كثيراً عن حال لبنان. فبعد تكوين «الحشد الشعبي» وطرد الإرهاب، استفاق أبناء «الفرات ودجلة الخير»؛ على لا ماء للشرب؛ ولا كهرباء؛ ولا وظائف؛ ولا ضمان لمقومات الحياة. كل ذلك لأجل إرغام الشعب المسكين على الرضوخ لإرادة اللصوص شكلاً؛ والاستعمار مضموناً. ويندس خلسة في أوساط المحتجين؛ من يريد تدمير ما تبقى من بلاد الرافدين؛ وإعادة تسليم الدفة للاستعمار.
وبالرغم من مأساوية المشهد العراقي والسوري واللبناني والجزائري والتونسي والمصري والسوداني والموريتاني والصومالي وغيرهم، إلا أن مجريات الأحداث تدل على مخاضات «عسيرة» تخوضها الأمة العربية للتحرر من الاستعمار، ويتولد جيل جديد يطالب بإعادة إنتاج الدولة وليس السلطة، ثم قبر اللصوصية إلى غير رجعة.
** **
- عادل العلي