محمد جبر الحربي
قُلْتُ السَّلَامُ فَحَلَّ سِلْمٌ وَانْتَمَى
لِجَميلَةِ الْعَيْنَيْنِ، تَحْضُنُهَا السَّمَا
يَا حَائِلَ الْحُبِّ الْمُقِيمِ تَنَعَّمِي
مَوْلاَكِ أَهْدَاكِ الْجَمَالَ، وَأَنْعَمَا
حينَ الْتَقَيْنَا كُنْتِ أَجْمَلَ مَنْ سَمَا
فَسَمَا الْخَيَالُ وَبَاتَ حُسْنُكِ مُلْهِمَا
الْقَلْبُ، وَالْجُودُ الْأَصِيلُ بِحَائِلٍ
فِي مَوْطِنٍ الْحُبُّ مِنْهُ تَعَلَّمَا
يَا أهْلَ حَائلَ مَا تَزَالُ قِرَاكُمُو
لِلضَّيْفِ إِرْثَاً فِي الصَّحَائِفِ قَدْ نَمَا
أَرْضُ السَّمَاحَةِ والسّمَاحِ وَبِئْرُهَا
مَا أدْرَكَ الزُّوَّارَ إِنْ حَلُّوا ظَمَا
مَنْ عَلَّمَ الْجَبَلَيْنِ أَنْ يَتَكَلَّمَا
أَنْ يُخْبِرَا أَهْلَ الْجَزِيرَةِ مَنْ هُمَا
مَا تُرْجِمَ التَّارِيخُ عَبْرَ رُمُوزِهِ
لَوْلَا هُمَا قَامَا إِلَيْهِ.. وَتَرْجَمَا
يَا قِصَّةَ الْحُبِّ الْعَظيمِ رُوَاتُهَا
صُمُّ الْجِبَالِ تَقُولُ مَا احْتَاجَتْ فَمَا
مِنْ قَبْلُ كَانَتْ فِي ثَمُودَ حِكَايَةٌ
فَسَلِ الْمَدَائِنَ.. إِنْ أَرَدْتَ تَعَلُّمَا
لَا يُعْلَمُ الْعَلَمَانِ إِنْ قُلْنَا أَجَا
لَا بُدَّ مِنْ سَلْمَى.. لِكَيْ يَتَنَاغَمَا
عِشْقٌ تَسَلَّلَ فِي الطُّفُولَةِ نَاعِمَاً
وَنَمَا بِنَارِ الْحُبِّ فِي قَلْبَيْهِمَا
قَدْ كَانَ فِي سِنِّ الْبَرَاءَةِ جَاهِلَاً
وَاشْتَدَّ حِينَ اشْتَدَّ فاشْتَعَلَا دَمَا
قَالَتْ لَهَا الْعَوْجَاءُ سَاعَةَ رِيبَةٍ:
سَلْمَى أَخَافُ عَلَيْكِ مِنْ أَنْ يُعْلَمَا
إِنَّ الْهَوَى إِنْ شَاعَ يَقْتُلُ أَهْلَهُ
وَالْعِشْقُ عِنْدَ ذَوِيكِ بَاتَ مُحَرَّمَا
إنَّ الْعَمَالِقَةَ الشِّدَادَ إِذَا رَأَوْا
فِيمَا رَأَوْا فَالْحُكْمُ فِي أَنْ تُرْجَمَا
وَتُشَرَّدَا فِي التِّيهِ حَتَّى تُصْلَبَا
وَالطَّيْرُ تَنْبُشُ غِيلَةً صَدْرَيْكُمَا
يَا طِفْلَتِي.. هَذَا مَآلُ هَوَاكُمَا
فَتَرَفَّقَا فِي الْحُبِّ.. أَوْ فَتَكَتَّمَا
لَا يَلْبَثُ الْحُبُّ الْمُخَبَّأُ أَنْ يُرَى
تُبْدِيهِ.. مَا أَخْفَيْتُمَا عَيْنَاكُمَا
وَاللهِ حائِرَةٌ.. حَبِيبَةَ مُهْجَتِي
فَدَعِي الْغَرَامَ مَخَافَةً.. أَنْ تَغْرَمَا
لَكِنَّهُ كَالسِّحْرِ.. دَبَّ دَبِيبُهُ
فِي الْمْهْجَتَيْنِ فَأَذْعَنَا وَاسْتَسْلَمَا
عِنْدَ اللقَاءِ.. تَعَانَقَا وَتَعَاهَدَا
وَغشَاهُمُا لَيْلٌ عَلَى مَا أَبْرَمَا
واسْتَحْلَفَا الْعَوْجَاءَ أَنْ تُبْقِي عَلى
سِرِّ الْهُرُوبِ وَكَانَ عَهْدَاً مُلْزِمَا
لَكِنَّهَا هَيْهَاتَ تَتْرُكُ رُوحَهَا
وَالدَّمْعُ يَجْرِي خِيفَةً وَتَرَحُّمَا
فَسَرَى ثَلَاثَتُهُمْ بِلَيْلٍ أَغْطَشٍ
وَالْحُبُّ يُرْخِي لِلثَّلَاثَةِ سُلَّمَا
الْحُبُّ خَلَّدَهُمْ، وَحَائِلُ قِصَّةٌ
لِلْحُبِّ حَيَّا بِالْجَمَالِ.. وَسَلَّمَا
* روى صاحب المناسك بسنده إلى هشام بن محمد الكلبي عن أبيه قال:
«قصة اسْمَيْ «جبلا طيْءٍ» أن سلمى بنت حام بن حي من عمليق علقها أجا بن عبدالحي من بني عمليق، وكان الرسول بينهما حاضنة يقال لها العوجاء فهرب بها وبحاضنتها إلى موضع جبل طيء، وكان لسلمى إخوة يقال لهم الغميم والمُضِلّ وفدك وفائد والحدثان، فخرجوا في طلبهما فلحقوهما بموضع الجبل، فأخذوا سلمى وانتزعوا عينيها فوضعوها على الجبل، وكتف أجا فوضع على الجبل الآخر. وكان أجا أول من كتف، وقطعت يد العوجاء ورجلاها فوضعت على جبل آخر، فكان، فقالت العرب في أشعارها سلمى، فهي أول من سُمِّي سلمى من العرب».
* بئر سماح تقع وسط حائل تجاهَ أجا، تشتهر بمياهها العذبة، وقصة حفرها الغريبة العجيبة.