لم أكن من مجايلي الصديق المبدع خالد اليوسف، أي أنني لم أحظ بفرصة اللقاء به والتعرف على روحه الطيبة وقلبه النقي وإبداعه الراقي إلا في مطلع الألفية الثالثة، أي بعدما اقتحمت عالم الأدب في روايتي الأولى مفارق العتمة، وكان الصديق عبدالعزيز الصقعبي الذي زاملته في مكتبة الملك فهد الوطنية سنوات طويلة الجسر الموصل بيننا، رأيت سماحة نفسه من وهلة اللقاء الأول لأكتشف لاحقا جذوة النشاط الملتهبة بالحب لكل ما يمت للإبداع والثقافة بصلة، لم يكن يحتاج إلى مقدمات كي يستوعب الآخر، ربما اكتسب هذه الخاصية من عمله المضني في رصد الإنتاج الأدبي في السعودية، بحكم تخصصه المكتبي الذي أولاه ما يليق به من اهتمام، فكان موسوما بالتخصص من خلال عمله الببليوجرافي الذي قلما تجد متخصصا بهذا المجال منحازا لهذا الفن، وأقول إنه فن، وفن احترافي جدا لأنه يوثق كل ما يصدر من خلال أدوات علمية مقننة، فكان له الفضل الأول قبل المكتبات ومراكز المعلومات في توثيق الإبداع الأدبي السعودي، لم يكن اليوسف يحتاج إلى ترصد أو تحر لتكتشف ما لديه، لأنه الرجل الذي أراه استثنائيا في قدرته على التعبير عن نفسه دون مواربة، وقد كان لثراء ما قدمه في ثمانينيات القرن المنصرم أكبر الأثر على الحراك الإبداعي من خلال ما تقلده من مهام بداها في مجلة عالم الكتب، ثم صفحات جريدة المسائية الأدبية، ومن ثم في التوباد المجلة التي أغلقت مع الأسف وحل الفاقة المادية وما كان ليليق بها أن تواجه هذا المصير، فلم يتوقف عندها بل تجاوزها إلى كثير من المجلات مثل المجلة العربية ثم مجلة الراوي التي أصبح رئيسا لتحريرها.
مسيرة الصديق خالد اليوسف الإبداعية حافلة تلك التي بدأها (بحديث البنفسج) وألحقها بسبع مجموعات قصصية كان آخرها مجموعة (يمسك بيدها ويغني)، كانت تجربته السردية مثخنة بالأحداث والتجارب والشخوص والأزمنة والأمكنة، فتحت شهيته لعالم السرد الأوسع ليصدر ثلاث روايات بداها (بوديان الأبريزي) ثم ألحقها بـ(نساء البخور) ثم (وحشة النهار) استطاع اليوسف أن يمزج ثلاثة اهتمامات في قالب واحد (الببليوجرافيا، والقصة القصيرة، والرواية) دون الإخلال فهي عصية على أن تقبل القسمة على ثلاثة.