صدرت مع مطلع العام الجديد 2020 رواية (صبرا) للكاتب سعيد شهاب عن دار المفردات في الرياض في خمس عشرة وثلاثمائة صفحة من القطع العادي.
بطل الرواية (عمار) مبتعث إلى باريس من إدارة البريد مع زميلين له في دورة تدريبية على الأجهزة الحديثة التي تنوي الإدارة تأمينها لتطوير العمل.
الثلاثة وإن كانوا زملاء عمل؛ إلا أنهم مختلفو التوجهات والثقافة والتفكير، فعمار يقف في مرحلة الوسط بين ناجي وراشد. ناجي سبق أن درس في الولايات المتحدة الأمريكية ووالده مثقف، في حين أن راشد ريفي يعيش مع والده الأمي في قرية من قرى المنطقة الشرقية. لكن الثلاثة متفقون على أن هذه البعثة ما هي إلا رحلة مدفوعة التكاليف لا تحتاج إلى إذن من زوجة ولا والدين. يتعرف عمار على سيدة لبنانية جاءت لباريس في زيارة تتعلق بعملها في العطور والتجميل في دبي وتعرفه على ابنة أخيها (صبرا). تعيش صبرا مع أبيها الذي هاجر من لبنان واعتزل في شقته على إثر مقتل زوجه وابنتيها (أم صبرا وشقيقتيها) في غارة جوية. من تداعيات هذا الحادث الأليم هاجر الابن مازن إلى أمريكا غاضبًا على الأوضاع في بلده تاركًا ما تبقى من أسرته دون استئذان أو تواصل.
تعرف راشد وناجي على فتاتين سعوديتين (شيخة ولطيفة) كانتا تترددان على الفندق نفسه في خلسة من أسرتهما، في حين تعلق عمار بالشابة اللبنانية صبرا بعد عودة عمتها إلى دبي. عاش الستة أصدقاء يمضون أوقاتهم بين المتنزهات والأسواق ويسهرون في المطاعم والمقاهي والحفلات.
تعرف عمار لاحقًا بوالد صبرا (عدوان) الذي اجتمع عليه الكبر والمرض مع ما سبقه من فقد أسرته وغربته، وقلقه على مستقبل ابنته التي ما زالت تعاني من العزلة والوحشة لولا أن عمارًا استطاع أن ينزعها منهما. أعجب عدوان بثقافة عمار والتقيا على حب الأدب والشعر وممارسة لعب الشطرنج فصارا صديقين على الرغم من فارق السن.
عمار ليس على وفاق مع زوجه قبل أن يصل إلى باريس فكان تعرفه على صبرا باعثًا له على التفكير بالزواج منها ناسيًا أو متناسيًا العقبات التي تنتظره.
يعيش عمار في أسرة محافظة لكنها مشتتة، فأمه كانت زوجة ثانية لأبيه طلقها مذ كان عمره سنتين وتزوجت أمه بآخر. ولذا كان عليه قبل أن يصل إلى بيته من المطار أن يزور بيت أمه للسلام عليها، ثم يزور أباه للغرض نفسه حتى ينتهي به المطاف إلى بيته حيث زوجه (نهلة) وابنيه طارق وعمر.
أخذ زوجه بالأحضان، لكن الشعور بعدم الارتياح ما زال مسيطرًا عليه كما كان قبل سفره، مع أنها حاولت تحسين صورتها ولسانها لكن أنى لصاحب القلب المشغول أن يسترعي انتباهه غير من شغله. لذلك أصبح يقضي معظم وقته مع زميليه في باريس (راشد وناجي) وأحيانًا مع شيخة ولطيفة يستعيدون ذكرياتهم السعيدة، ساعده على ذلك البطالة المقنعة التي يعيشها في العمل مع زملاء مهملين ومدير متساهل.
عمار يخشى مفاتحة أبيه في نيته تطليق أم أولاده والزواج من أجنبية ولذلك لا مناص من توسيط أحد أخويه. أخوه (عوف) اشتط في تدينه حتى قام بثورة على أبيه وإخوته منكرًا التلفاز ومستنكرًا على أخواته النقاب إِذ يريدهن محجبات حجابًا كاملاً، ويقضي وقته في قراءة (معالم في الطريق) وما شابهه، ولهذا صرف التفكير في الاستعانة به، فانتقل بتفكيره إلى أخيه الأكبر (إبراهيم) فزاره في مكتبه لمفاتحته في الموضوع فلم يجد منه إلا الاستنكار وتسفيه الرأي، وحين ألح عليه وجهه لأن يفعل كما يفعل الشباب العابثون؛ يتخذ صديقة يقضي وطره منها بين الحين والحين ولا يهدم تقاليد الأسرة المحافظة بالزواج من أجنبية!.
أشار عليه أصدقاؤه بأن ينهي الموافقات الحكومية على الزواج، ثم يسافر ويتزوج دون أن يُعلم أحد، ويضع الجميع أمام الأمر الواقع. لكن تخطيطه افتضح منذ الوهلة الأولى فما أن حصل على نموذج السماح بالزواج من الخارج حتى عثرت عليه زوجه كما عثرت على رقم هاتف باريسي يملأ فاتورة هاتفه ليتأكَّد لها أن الرجل ماض في مشروعه. تخرج مغضبة من بيته إلى بيت أهلها وينتشر الخبر ويصل إلى والده الذي وجده في اجتماع عائلي مع والد زوجته (أبي سعود) ليخرج منهما مُكبَّتا مُوبَّخا..
مضى عمار قدمًا في سبيل استخراج السماح بالزواج من الخارج، وحصل عليه بوساطة الأصدقاء، ومضى ليحجز رحلة الطيران والفندق، ويتصل بحبيبته صبرا ليزف لها البشرى بعد طول تعثر. لكن فرحته لم تدم فقبل السفر بأسبوع هجم عليه سعود - أخو زوجه - في الاستراحة التي يسهر فيها مع أصدقائه - على إثر تعاطيه جرعة من المخدرات التي دأب على تناولها - وضربه بعصا كانت معه على رأسه ضربة نقلته للمستشفى لتجرى له عملية خياطة بست غرز.
يخرج من المستشفى وهو أكثر تصميمًا على تنفيذ مخططه فيؤكد الحجز ويتصل بصبرا محددًا لها موعد وصوله، لكن أخَا زوجه المدمن فاجأه في منزله وهو يهم بالخروج للمطار ليسدد له ضربة تمكن من التخلص منها لكنه تناول سكين الفاكهة التي كانت بقربه وسدد له طعنة أخافته أكثر مما أضرت به، فترك البيت مولولاً ومهددًا. سارع عمار بعدها للخروج للمطار وقد تبقى على الرحلة ساعات فضل قضاءها في المطار لكنه ما أن تسلم بطاقة الصعود للطائرة حتى أخذه مخبران لمخفر المطار وتلاشت آماله كلها في إنهاء مشواره.
طالت مدة سجنه والتحقيق معه بتهمة الاعتداء على شقيق زوجه، ولم يتمكن من تبرئة نفسه إلا بعد أن وجه التهمة لنسيبه بحيازة المخدرات وتعاطيها، وهنا سارع المدعى عليه للتنازل عن القضية ليطلق سراح عمار ويسافر إلى باريس، لكنه سفر الخائب، فلم يعثر لصبرا على أثر، فقد توفي والدها ويئست من عودة حبيبها لا سيما بعد أن اتصل بها كل من أخيه إبراهيم وزوجه نهلة يطلبان منها ألا تكون سببًا في تقويض بيت زوجية قائم على المحبة والمودة.
هام عمار على وجهه وقد سدت السبل في وجهه حتى أخذ يفكر في الانتحار. لكن صوت القرآن الكريم عند بائع فاكهة مغربي أيقظه من غفوته فشد الرحال في أول طائرة إلى جدة ومنها إلى مكة المكرمة ليؤدي العمرة في انتظار ما يستقبله من أيام!
الرواية ملأى بالتعليقات الساخطة على سلوك المجتمع، وبتطرف بعض الشباب، واضطراب العلاقات الأسرية التي تخفيها جدران البيوت. كما يلاحظ تناولها للحرب اللبنانية وما جرته على أهل لبنان من ويلات.
** **
- سعد عبدالله الغريبي