سعادتي كبيرة بتكريم الصديق الأديب خالد اليوسف، ذلك لأنه جدير باستحقاق التكريم، فلقد عرفته منذ أربعين سنة، وتآصرت علاقتنا في منتصف الثمانينات حين كان مسئولاً عن الصفحات الثقافية في الجزيرة المسائية إبان كان الصديق عبد العزيز العيسى رئيسًا لتحرير المسائية. فقد خصص لي خالد صفحة كاملة بعنوان «مسارات» كنت أكتبها بتوقيع مستعار هو «الجرجاني»، أتناول فيها كل اثنين قضية أدبية أو رؤية نقدية ساخنة أميل فيها إلى الإثارة المتعمدة في أسلوبي النقدي، وقد لاقت الصفحة اهتمام الأدباء ومتابعتهم، وقد قيل لي من زملاء كثر أنهم كانوا ينتظرون يوم الاثنين ليقرأوا قصف الجرجاني. أعترف أن كتابتي الأسبوعية تلك درّبتني على الكتابة النقدية وزوّدتني بمعرفة أدبية نقدية واسعة. فلجريدة الجزيرة كل الامتنان وأجمل الشكران.
أما الصديق خالد اليوسف فقد جمع في قامته منظومة من المشهديات الثقافية فهو متخصص بالمكتبات وله دراية شاملة بعلم التوثيق، وهو قاص قدّم مجموعة من الإصدارات في القصة القصيرة، وهو روائي أصدر أيضًا حزمة من الروايات الناجحة، وهو كذلك إعلامي ومحرر ثقافي ومنظم مهرجانات أدبية وعلى علاقة حميمة وثيقة بأغلب الأدباء في المملكة العربية السعودية وخارجها من الأدباء العرب. وعلى الرغم من أنني استقلت من عملي في المملكة عام 1988م إلا أنه دائم الاتصال بي تطبيقًا لأريحيته وأخلاقه العالية في الوفاء والمحبة المطلقة.
وقد اشتهر خالد في مجال الثقافة والإعلام الثقافي بصفته خبيرًا متمكنًا بمناهج التوثيق في علم المكتبات وإصدار باقة مهمة جدًا من كتب البانوراما الأدبية للإصدارات في المملكة، تلك التي تعدّ المرجع الأوثق للباحثين على مستوياتهم المختلفة. غير أنني أحمل في وجداني لأبي هيثم تقديرًا أدبيًا آخر، وهو قدرته الفنية الجميلة على تصوير تفاصيل الأمكنة وتحولات الأزمنة ومشهديات الموروث الشعبي في المملكة وذلك عبر رواياته ولا سيّما نساء البخور الرواية التي توثق بحس تاريخي جمالي لحقبة تاريخية اجتماعية في عمر مدينة الرياض. ولحُسن حظي دارت أغلب أحداث الرواية في حلة العبيد والبطحاء ومقبرة منفوحة، تلك الأماكن التي عشت فيها شخصيًا ما يزيد على عشر سنين، فعندما قرأت الرواية لفّ شريط ذاكرتي حتى بكيت شوقًا لتلك الرحاب الشعبية التي أسست لأخلاق مدينة الرياض وذكّرتني بأول يوم دخلت المملكة في مقهى شعبي على مقعد خشبي كبير بريال واحد. في خالد اليوسف ذاكرة المكان وذاكرة الكتاب وذاكرة الصداقة وذاكرة الوفاء والإخلاص إنه كالبحر يعطي ولا يفكر إطلاقًا بالأخذ، همُّه الوحيد العمل الأدبي الوطني والعربي، ودوام الإبداع. فإلى أبي الهيثم كامل تهنئاتي ومباركاتي وعرفاني له بأهميته الثقافية في المشهد الأدبي في المملكة منذ أربعين سنة. إنه نهر صامت يجري إلى المصب بحياء شجاع.